المقام الرابع
المودّة في القربى نفس اتخاذ السبيل إلى الله
لقد بانت الحقيقة من هذا البحث الضافي بأجلى مظاهرها ، غير أنّه يجب البحث عن نكتة أُخرى وهي : أنّه سبحانه جعل اتخاذ السبيل إلى الله أجراً لرسالة نبيه في الآية التالية ، قال سبحانه : ( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً ) (١) وقبل الإجابة على السؤال ، وأنّ المستثنى في هذه الآية هو المستثنى في آية سورة الشورى ، نعمد إلى توضيح الآية.
إنّ الضمير في « عليه » يرجع إلى القرآن ، وقد وضع الفاعل وهو « من اتخذ إلى ربه سبيلا » موضع فعله ، وهو نفس اتخاذ السبيل ، فالأجر المستثنى هو عمل المسلمين ، وهو اتخاذ السبيل لا نفس المتخذ كما هو ظاهر الآية ، أعني قوله : ( مَنِ اتَّخَذَ ) والمراد إلاّ فعل ( مَنِ اتَّخَذَ ) والنكتة في العدول ، هو المبالغة في اتخاذ السبيل ، فكأنّ الشخص بوجوده الخارجي نفس اتخاذ السبيل ـ الذي هو معنى عرضي يحمله الإنسان ـ ولذلك نظائر في القرآن الكريم ، قال سبحانه : ( لَيْسَ البِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ) (٢). فإنّ الظاهر من الآية ، انّ البر هو نفس من آمن ، مع أنّه لا يمكن أن
__________________
(١) الفرقان : ٥٧.
(٢) البقرة : ١٧٧.