بالشقشقية (١) يقول فيها : ـ
« أما والله لقد تقمصها فلان (٢) وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ، ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير ، فسدلت دونها ثوبا ، وطويت عنها كشحا وطفقت أرتأي بين أن أصول بيد جذاء ، أو أصبر على طخية عمياء ، يهرم فيها الكبير ، ويشيب فيها الصغير ، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه!.
فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فصبرت وفي العين قذى وفي الحلق شجى ، أرى تراثي نهبا ، حتى مضى الأول لسبيله فأدلى بها إلى فلان (٣) بعده ثم تمثل بقول الأعشى : ـ
شتان ما يومي على كورها |
|
ويوم حيان أخي جابر |
فيا عجبا!! بينا هو يستقيلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته ـ لشد ما تشطرا ضرعيها ـ فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسها ، ويكثر العثار فيها والاعتذار منها ، فصاحبها كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم وإن أسلس لها تقحم فمني الناس ـ لعمر الله ـ بخبط وشماس وتلون واعتراض ، فصبرت على طول المدة وشدة المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم أني أحدهم ، فيا لله وللشورى! متى اعترض الريب في مع الأول منهم ، حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر!ولكني أسففت إذ أسفوا وطرت إذ طاروا فصغا رجل منهم لضغنه ، ومال الآخر لصهره مع هن وهن إلى أن قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع ، إلى أن انتكث عليه فتله وأجهز عليه عمله ، وكبت به بطنته ».
ــــــــــــــــ
(١) ـ نهج البلاغة خطبة ٣.
(٢) ـ أبو بكر.
(٣) ـعمر بن الخطاب.