ثم ينادي عليهالسلام الله تعالىٰ بهذا النداء الرقيق : « فيا من هو علىٰ المقبلين عليه مقبل ، وبالعطف عليهم عائد مُفضل ، وبالغافلين عن ذكره رحيم رؤوف ، وبجذبهم إلىٰ بابه ودود عطوف ».
وهذا النداء يتضمَّن نقطتين :
أن الله تعالىٰ يُقبل علىٰ من يقبل عليه ويعود عليهم بفضله.
ويعطف علىٰ الغافلين عنه ، ويذهب عنهم الغفلة بالجذبات الربانية.
وبعد هذه البداية يطلب زين العابدين عليهالسلام من الله تعالىٰ أن يجعله من أوفر أهل الصلاح حظّاً من رحمته ، وأرفعهم منزلةً ، وأجزلهم قسماً ، يقول عليهالسلام : « أسالك أن تجعلني من أوفرهم منك حظاً ، واعلاهم عندك منزلاً ، وأجزلهم من ودّك قسماً ، وافضلهم في معرفتك نصيباً ».
وتثير هذه الفقرة من الدعاء هذا السؤال : لقد كان الإمام يتمنىٰ أن يلحقه الله تعالىٰ بهم قبل قليل ، والآن يتمنىٰ أن يجعله الله من أوفرهم حظاً وأعلاهم منزلة عنده فكيف نضم هذا السؤال إلىٰ جنب ذلك السؤال ؟ وما الذي حدث في جو الدعاء وفي الجو النفسي للإمام حين الدعاء ، بحيث أدّىٰ إلىٰ هذه القفزه في الطلب والسؤال من طلب اللحوق بالصالحين إلىٰ طلب التقدم عليهم وإمامتهم ؟
إن الإجابة عن هذا السؤال تتطلب شرح سرٍّ من اسرار الدعاء. فقد علّمنا الله تعالىٰ أن لا نفتّر في السؤال ، ولا نبخل في الدعاء ، إذا كان المولىٰ كريماً. وما اقبح البخل في السؤال عندما يكون المسؤول كريماً. لا حدّ لخزائن رحمته ، ولا نفاد لها ، ولا تزيده كثيرة العطاء إلّا جوداً وكرماً (١).
__________________
(١) في دعاء الافتتاح « الحمد لله الفاشي في الخلق أمره وحمده ، الظاهر بالكرم مجده ، الباسط بالجود يده الذي لا تنقص خزائنه ، ولا تزيده كثرة العطاء إلّا جوداً وكرماً إنه هو العزيز الوهاب ».