فالحاجة نفسها من منازل رحمة الله ، فإن الله تعالىٰ كريم ينزل رحمته علىٰ خلقه حتىٰ الحيوان والنبات لحاجتهم من دون سؤال وطلب. دون أن يكون معنىٰ هذا الكلام نفي السؤال والطلب ، فإنّ السؤال والطلب بابان آخران من أبواب رحمة الله إلىٰ جنب « الحاجة ».
فإذا عطش الناس سقاهم ربُّهم ، وإذا جاعوا أطعمهم ، وإذا عروا كساهم ( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ) (١) ، حتىٰ ولو لم يعرفوا الله تعالىٰ ، ولم يعرفوا كيف يدعونه ، وماذا يطلبون منه ، « يا من يعطي من سأله ، يا من يعطي من لم يسأله ومن لم يعرفه تحنّناً منه ورحمة » (٢).
وفي مناجاة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام تجد التفاتاً رائعاً لهذه النكتة الربّانية في استنزال رحمة الله تعالىٰ :
« مولاي يا مولاي أنت المولىٰ وأنا العبد ، وهل يرحم العبد إلّا المولىٰ. مولاي يا مولاي أنت المالك وأنا المملوك ، وهل يرحم المملوك إلّا المالك. مولاي يا مولاي أنت العزيز وأنا الذليل ، وهل يرحم الذليل إلّا العزيز. مولاي يا مولاي أنت الخالق وانا المخلوق ، وهل يرحم المخلوق إلّا الخالق. مولاي يا مولاي انت العظيم وأنا الحقير ، وهل يرحم الحقير إلّا العظيم. مولاي يا مولاي أنت القوي وأنا الضعيف ، وهل يرحم الضعيف إلّا القوي. مولاي يا مولاي أنت الغني وأنا الفقير ، وهل يرحم الفقير إلّا الغني. مولاي يا مولاي أنت المعطي وأنا السائل ، وهل يرحم السائل إلّا المعطي. مولاي يا مولاي أنت الحيّ وأنا الميّت ، وهل يرحم الميّت إلّا الحيّ. مولاي يا مولاي أنت الباقي وأنا الفاني ، وهل يرحم الفاني
__________________
(١) الشعراء : ٨٠.
(٢) من أدعيه شهر رجب.