حنجرة بكلمة نابية ، ولم نرَ إلّا مظاهر الصبر والتسليم لله العلي الكبير.
يبقیٰ علينا أن نجيب عن السؤال التالي ، فقد نفسر إخلاص الحبّ لله بهذا المعنىٰ علىٰ خلاف طبيعة الانسان وفطرته ، فإن الله تعالىٰ فطر الانسان علىٰ حب أشياء كثيرة ، وكُره أشياء كثيرة ، وإخلاص الحبّ لله بهذا المعنىٰ ينافي هذه الفطرة التي فطر الله تعالىٰ خلقه عليها.
والجواب : أن إخلاص الحبّ لله ليس بمعنىٰ التنكّر للفطرة ، وإنّما هو بمعنىٰ توجيه الحب والكره من خلال ما يحبّ الله تعالیٰ وما يكره. فالله تعالیٰ لا يريد من عبده وكليمه موسیٰ بن عمران عليهالسلام أن ينتزع حبّ أهله من قلبه ، وإنّما يريد أن يكون حبّه لأهله من خلال حبّه ، وأن يكون حبّه هو المصدر الوحيد لكلّ حبّ في قلبه. وبتعبير آخر : إن الذي يطلبه الله تعالیٰ من عبده وكليمه موسیٰ بن عمران عليهالسلام هو ربط كلّ حبّ بقناة حبّه تعالىٰ ، فيكون عندئذٍ حبّه لأهله تكريساً لحبّه تعالىٰ ، وهو معنىً دقيق ، واُسلوب رائع في التربية لا يناله إلّا من اختصّه الله تعالىٰ يحبّه واصطفاه. فإن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو من أكثر الناس خلوصاً وصفاءً ونقاءً كان يقول : « حُبّب إليّ من دنياكم : النساء ، والطيب ، وقرّة عيني في الصلاة » (١).
وليس من شكّ أن هذا الحبّ هو من الحبّ الذي يقع في امتداد حبّ الله. فإن أحبّ هذه الثلاثة إلىٰ قلب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم الصلاة ، فهي قرّة عينه. وليس من شك أن حبّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لها يقع في امتداد حبّه لله تعالىٰ.
فليس في « إخلاص الحبّ لله » تخريب للفطرة وتشويش للطبيعة التي خلقها الله تعالىٰ ، وإنّما هو إعادة لتنظيم خارطة الحبّ والبغض في حياة الانسان
__________________
(١) الخصال : ١٦٥.