تأملوا في هاتين الآيتين الكريمتين من سورة الزخرف ، وهما مثل واحد علىٰ ما نقول : ( وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) (١).
إذن الغاية من الفلك والانعام والدواب ثلاثة ، وليست واحدة :
١ ـ ( لِتَسْتَوُوا عَلَىٰ ظُهُورِهِ ) ، وهي الاستفاده من النعمة.
٢ ـ ثم ( تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ ) ، وهي وعي النعمة.
٣ ـ ثم تقولوا ( سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ ) ، وهي الشكر والحمد والتسبيح.
والذين يتلقّون نعم الله تعالیٰ من دون وعي وحمد ـ كالبهائم ـ يستفيدون في الحقيقة من النعمة استفادة ناقصة ؛ فإن النعمة تزوّد الجسم والروح والعقل والقلب.
والذين يستفيدون من النعمة فائدة ناقصة يحرمون عقولهم وقلوبهم وأرواحهم من النعم الإلهية.
كما تحفل النصوص الاسلامية بتوجيه الانبياء والدعاة إلىٰ الله بدعوة الناس إلىٰ الله ، وتحبيب الله إليهم من خلال (النعمة).
في الحديث القدسي : « أوصىٰ الله تعالىٰ إلىٰ موسىٰ عليهالسلام : أحببْني وحبّبْني إلىٰ خلقي. قال موسىٰ : يا رب ، إنك لتعلم أنّه ليس أحدٌ أحبَّ إلَيَّ منكَ ، فكيف لي بقلوب العباد ؟
فأوحىٰ الله إليه : فذكّرْهم نعمتي وآلائي فإنهم لا يذكرون مني إلّا خيراً » (٢).
__________________
(١) الزخرف : ١٢ ـ ١٣.
(٢) بحار الأنوار ٧٠ : ٢٢.