(وما في هذا البيت من الكناية قد بلغ من الوضوح الى حيث يستغني عن البيان ولا ينفيه الا من لا يعرف معنى الكناية) وهو معذور لانه ليس من أهل الدراية ومضرات الجهل ليس لها نهاية.
(واما تدبيج التورية) والمراد منها ان يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد ويراد البعيد وهذا هو الايهام الذي تقدم في صدر الكتاب (فكقول الحريري فمذ اغبر العيش الاخضر) خضرة العيش كناية عن طيبه ونعومته وكماله لان اخضرار العود والنبات يدل على طيبه ونعومته وكونه على اكمل حال فيكنى به عن لازمه في الجملة الذي هو الطيب والحسن والكمال واغبرار العيش كناية عن ضيقه ونقصانه وكونه في حال التلف لان اغبرار النبات والارض يدل على الذبول والتغير والرثاثة فيكنى به عن هذا اللازم (وازور) أي تباعد واعرض ومال عني (المحبوب الاصفر) الشاهد هنا وسيأتي بيانه (اسود يومي الابيض) اسوداد اليوم كناية عن ضيق الحال وكثرة الهموم فيه لان اسوداد الزمان كالليل يناسبه الهموم ووصفه بالبياض كناية عن سعة الحال والفرح والسرور لان بياض النهار يناسب ذلك (وابيض فودى الاسود) الفود شعر جانب الرأس مما يلي الاذن وابيضاض فوده كناية عن ضعف بنيته ووهنه من كثرة الهموم والاحزان (حتى رثي لي) اي رق لي واشفق علي (العدو الازرق) أي الخالص العداوة الشديدها وانما وصف العدو الشديد العداوة بالزرقة لانه في الاصل كان اهل الروم اعداء للعرب والزرقة غالبة عليهم ثم وصف كل عدو شديد العذاوة بها على طريق الكناية وان لم يكن ازرق (فياحبذا الموت الاحمرة) حمرة الموت كناية عن شدته ويحتمل ان يراد بالموت الاحمر القتل.