المتقدمة ، لاعتضادها بعمل الطائفة المحقة قديما وحديثا ، فإنه لم ينقل الخلاف في هذه المسألة قديما إلا عن ابن ابي عقيل ، فشهرة العمل ـ بمضمون الأخبار الأولة بين قدماء الأصحاب ـ مما يلحقها بالمجمع عليه في الرواية ، الذي هو أحد المرجحات الشرعية كما تقدمت الإشارة إليه في المقدمة الثالثة (١) وبذلك صرح جملة من أصحابنا منهم : السيد المحقق صاحب الغنية (قدسسره) وغيره ، وحينئذ فحيث كان معظم الفرقة الناجية ـ سابقا ولاحقا ـ قائلين بالنجاسة ، فهو دليل على ان ذلك مذهب أهل البيت (عليهمالسلام) فان مذهبهم إنما يعلم بنقل شيعتهم عنهم ، كما ان مذهب أبي حنيفة وأمثاله من المذاهب إنما يعلم بنقل اتباعهم وتلامذتهم ، وحينئذ فما خالف ذلك مما صح وروده عنهم (عليهمالسلام) يتحتم حمله على التقية (٢) وان كانت العامة في المسألة ايضا على قولين ، إلا ان حمل الخبر على التقية لا يتوقف على اتفاق العامة على القول بمضمونه بل ولا على قول البعض كما عرفته في المقدمة الأولى.
على ان الذي نقوله ـ وهو التحقيق الحقيق بالاتباع في المقام وان غفلت عنه أقوام ـ ان جل الأخبار التي استند إليها الخصم لا دلالة لها على ما يدعيه ولا صراحة لها فيما يعيه. بل الظاهر منها ـ عند التأمل الصادق في مضامينها والنظر في قرائن أحوالها ومفاهيمها ـ انها منطبقة مع تلك الأخبار على معنى صحيح المعيار واضح المنار ، وان اختلفت في ذلك الدلالات في بعضها قربا وبعدا بسبب الانس بالقرائن الحالية والمقالية
__________________
(١) في الصحيفة ٣٨.
(٢) ويؤيد ذلك ايضا ما صرح به علم الهدى (رضياللهعنه) في أجوبة المسائل الناصرية ، حيث نسب القول بنجاسة الماء القليل الى مذهب الشيعة الإمامية وجميع الفقهاء ، قال : «وانما خالف في ذلك مالك والأوزاعي وأهل الظاهر» ثم قال : «والحجة في صحة مذهبنا إجماع الشيعة الإمامية ، وفي اجتماعهم عندنا حجة وقد دللنا على ذلك في غير موضع» انتهى (منه قدسسره).