(الخامس) ـ انه قد ورد عنهم (عليهمالسلام) جملة من الطرق لترجيح الاخبار كما تقرر في مقبولة عمر بن حنظلة وغيرها ، ولم يذكروا البراءة الأصلية في جملة تلك الطرق ، بل قد اشتملت مقبولة عمر بن حنظلة بعد التوافق في جميع طرق الترجيح على الإرجاء حتى يلقى امامه (١) ، معللا له بان «الوقوف في الشبهات خير من الاقتحام في الهلكات». وحينئذ فإذا كان الواجب مع الاتفاق في جميع تلك الطرق هو ترك الحكم من كل منهما والتوقف فأي ترجيح بأصالة البراءة التي ذكروها؟ إذ لو كانت دليلا شرعيا على العدم وموجبة لترجيح ما اعتضد بها لترجح بها هنا أحد الجانبين وما ربما يظهر من كلام بعض الأجلاء ـ من أن ذلك مخصوص بالمنازعات في الأموال والفرائض والمواريث كما يعطيه صدر الخبر وهو قول السائل : «سألت أبا عبد الله (عليهالسلام) عن رجلين من أصحابنا يكون بينهما منازعة في دين أو ميراث». ـ ففيه (أولا) ـ ان خصوص السؤال لا يخصص عموم الجواب كما تقرر عندهم. و (ثانيا) ـ ان هذه الترجيحات التي ذكرها (عليهالسلام) لم يخصها أحد من الأصحاب بالاخبار المتعارضة في خصوص هذه الأشياء التي ذكرها بل يجرونها في كل حكم تعارضت فيه الأخبار ، كما لا يخفى على من جاس خلال تلك الديار وذاق لذيذ تلك الثمار.
احتج بعض فضلاء متأخري المتأخرين بأن القول بالبراءة الأصلية مما تدل عليه الآية والاخبار ، كقوله تعالى : «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» (٢) وقول الصادق
__________________
(١) ومن ذلك ايضا ما ورد في موثقة سماعة عن ابى عبد الله (عليهالسلام) قال : «سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه ، أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع؟ قال يرجئه حتى يلقى من يخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه». فتراه في هذا الخبر أيضا أوجب التوقف الذي هو ساحل الهلكة ولم يرجح بأصالة البراءة ولا بغيرها (منه رحمهالله).
(٢) سورة البقرة آية ٢٩.