أنّ موجد إرادة العبد لو كان نفسه فتتوقّف تلك الإرادة منه على إرادته لها ، فلمّا لم تتوقّف هي عليها كما يعلم بالوجدان ، فلا تكون هي صادرة عنه بل تكون مخلوقة لله تعالى إلا أنّا لا نسلّم أنّ حصول الفعل عقيبها ليس منه ، وكون الفعل يحصل عقيب تلك الإرادة الجازمة الجامعة للشرائط ، وارتفاع الموانع لا يدلّ على ذلك ، إذ لا مانع من أن تكون الإرادة مخلوقة لله تعالى ، والفعل الذي لا ينفكّ عنها على الشّرط المذكور مخلوقا للعبد (١) ، ولو قيل : إنّ مع تلك الإرادة المخلوقة لله تعالى عند تحقّق الشّرط المذكور يتحقّق الفعل ، ولو لم يكن إيجاد من العبد فهو ممنوع (٢) لجواز أن يكون إيجاد العبد أيضا لازما لها غير منفكّ عنها أصلا لا بالفعل ، ولا بالإمكان ، فلو فرض هذا المحال وهو انفكاك إيجاد العبد عن تلك الإرادة ، لجاز وقوع محال آخر هو انفكاك الفعل أيضا عنها ، إذ المحال جاز أن يستلزم المحال ، وخصوصا إذا كان بينهما علاقة ظاهرة كما فيما نحن فيه ، وأما أنّ الفعل لا يحصل بدون تلك الإرادة فلا يدلّ على المطلوب أيضا إلّا إذا ثبت أنّ فعل العبد إذا توقف حصوله على إرادة مخلوقة لله تعالى لا يمكن أن يكون مخلوقا للعبد ، وهذا مع أنّه ممنوع ليس مذكورا
__________________
(١) وتوضيح هذا ما سيجيء من أنه إذا حصل لنا العلم بنفع فعل يتعلق به الإرادة بلا اختيارنا ، لكن تعلق الإرادة به غير كاف في تحققه ما لم تصر جازمة ، بل لا بد من انتفاء كف النفس عنه حتى تصير الإرادة جازمة موجبة للفعل ، وهذا الكف أمر اختياري يستند وجوده على تقدير تحققه الى وجود الداعي اليه وهي الإرادة الجازمة الى آخر ما ذكرنا هناك وبالجملة ترك الكف الذي هو اختياري من جملة شرائط حصول الفعل. منه «قده».
(٢) والحاصل أن إرادة العبد بانجاد الله تعالى فيه او ناشئة عن ذات العبد لازمة له ، وهو لا ينافي كونه مختارا إذ المختار ما يكون فعله معللا بإرادته لا أن تكون إرادته أيضا باختياره. منه «قده».