من أن تعلق الإرادة منبعث عن مجرد تصوّر الملائم واعتقاد الملائمة التي لا يتخلف تحقق الفعل عن تحققها ، وجميع ذلك بقدرة الله تعالى ، وإرادته لم (فلم ظ) لا يجوز أن يكون منبعثا عن ذلك!؟ مع أنه أمر اعتباري كان منشأه العبد ، وهلّم جرا والتسلسل في الأمور الاعتبارية مما لا يبالي بارتكابه ، وكأنه لهذا قال شارح المقاصد : الحق أنّ مبنى المبادي القريبة لأفعال العباد على قدرتهم واختيارهم ، ومبنى المبادي البعيدة على إلجائهم واضطرارهم ، فلا يلزم من صيرورة العبد محلا لأصل تلك ـ الإرادة أن يكون مضطرا في التعيين والترجيح كما توهّمه الناصب الحمار ، وزعم أنه قد أخرج بذلك نفسه عن الوحل ، وسيأتي لهذا زيادة تحقيق وتوضيح في موضعه اللائق به إن شاء الله تعالى.
قال المصنّف رفع الله درجته
ومنها أنه يلزم مخالفة الكتاب العزيز ونصوصه ، والآيات المتظاهرة فيه الدالة على استناد الأفعال إلينا ، وقد بيّنت في كتاب الإيضاح مخالفة أهل السنة لنصّ الكتاب العزيز والسنة بالوجوه التي خالفوا فيها آيات الكتاب العزيز حتى أنه لا تمضي آية من الآيات إلا وقد خالفوا فيها من عدّة أوجه ، فبعضها يزيد على بضع (١) وبعضها يزيد على العشرين ، ولا ينقص شيء منها عن أربعة ، ولنقتصر في هذا المختصر على وجوه قليلة دالة على أنهم خالفوا صريح القرآن ذكرها أفضل متأخّريهم وأكبر علمائهم فخر الدّين الرّازي (٢) ، وهي عشرة الاول الآيات الدّالة على إضافة الفعل إلى العبد ، (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا) (٣) (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ
__________________
(١) البضع بفتح الباء وكسرها : ما بين الثلاث الى التسع.
(٢) قد مرت ترجمته (ج ١ ص ١١٠).
(٣) مريم. الآية ٣٧.