قال النّاصب خفضه الله
أقول : مذهب الأشاعرة أنّ أفعال العباد الاختياريّة واقعة بقدرة الله وحدها ، وليس لقدرتهم تأثير فيها ، بل الله سبحانه أجرى عادته بأنّه يوجد في العبد قدرةّ واختيارا فإذا لم يكن هناك مانع ، أوجد فيه فعله المقدور مقارنا لهما ، فيكون فعل العبد مخلوقا لله تعالى إبداعا وإحداثا ومكسوبا للعبد ، والمراد بكسبه إيّاه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوى كونه محلّا له ، وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري (١) ، فأفعال العباد الاختيارية على مذهبه تكون مخلوقة لله تعالى مفعولة للعبد ، فالعبد فاعل وكاسب ، والله خالق ومبدع ، هذا حقيقة مذهبهم ، ولا يذهب على المتعلّم أنّهم ما نفوا نسبة الفعل والكسب عن العبد ، حتّى يكون الخلاف في أنّه فاعل أولا ، كما صدّر الفصل بقوله : إنّا فاعلون ، واعترض الاعتراضات عليه ، فنحن أيضا نقول : إنّا فاعلون ، ولكن هذا الفعل الذي اتّصفنا به ، هل هو مخلوق لنا أو خلق الله فينا وأوجده مقارنا لقدرتنا واختيارنا؟ وهذا شيء لا يستبعده العقل ، فانّ الأسود هو الموصوف بالسّواد ، والسّواد مخلوق لله تعالى ، فلم لا يجوز أن يكون العبد فاعلا ويكون الفعل مخلوقا لله؟! ودليل الأشاعرة أنّ فعل العبد ممكن في نفسه ، وكلّ ممكن مقدور لله ، لشمول قدرته كما ثبت في محلّه (٢) ، ولا شيء ممّا هو مقدور لله بواقع بقدرة العبد لامتناع اجتماع قدرتين مؤثّرتين على مقدور واحد لما هو ثابت في محلّه ، وهذا دليل لو تأمّله المتأمّل يعلم أنّ المدّعى حقّ صريح ، ولا شكّ أنّ الممكن إذا صادفته القدرة القديمة المستقلّة توجده ، ولا مجال للقدرة الحادثة ، والمعتزلة اضطرّتهم الشّبهة إلى اختيار مذهب رديّ ،
__________________
(١) قد سبقت ترجمته في تعاليق ص ١١٨ من الجزء الاول وفي غيرها أيضا.
(٢) قد سبق في مبحث القدرة (ج ١ ص ١٦٣).