وهو إثبات تعدّد الخالقين غير الله في الوجود ، وهذا خطاء عظيم ، واستجراء كبير ، لو تأمّلوا قباحته لارتدعوا منه كلّ الارتداع كما سنبيّن لك إن شاء الله في أثناء هذه المباحثات ، ثمّ إنّ مذهب المعتزلة ومن تابعهم من الاماميّة أنّ أفعال العباد الاختياريّة واقعة بقدرة العبد وحدها على سبيل الاستقلال ، بلا إيجاب بل باختيار ، ولهم في اختيار هذا المذهب طرق ، منها ما اختاره أبو الحسين (١) من مشايخهم وذكره هذا الرّجل وهو ادّعاء الضّرورة في إيجاد العبد لفعله ، ويزعم أنّ العلم بذلك ضروريّ لا حاجة به إلى الاستدلال وبيان ذلك أنّ كلّ عاقل يجد من نفسه التّفرقة بين حركتي المختار والمرتعش ، وأنّ الأوّل مستند إلى دواعيه واختياره ، وأنّه لو لا تلك الدّواعي والاختيار ، لم يصدر عنه شيء منه بخلاف حركة المرتعش ، إذ لا مدخل فيه لإرادته ودواعيه ، وجعل أبو الحسين ومن تابعه من الاماميّة إنكار هذا سفسطة مصادمة للضّرورة كما اشتمل عليه أكثر دلائل هذا الرّجل في هذا المبحث ، والجواب : أنّ الفرق بين الأفعال الاختياريّة وغير الاختياريّة ضروريّ لكنّه عائد إلى وجود القدرة ، منضمّة إلى الاختيار في الأولى ، وعدمها في الثانية لا إلى تأثيرها في الاختيارية ، وعدم تأثيرها في غيرها ، والحاصل أنّا نرى الفعل الاختياري مع القدرة والفعل الاضطراري بلا قدرة ، والفرق بينهما يعلم بالضّرورة ، ولكن وجود القدرة مع الفعل الاختياري لا يستلزم (٢) تأثيرها فيه ، وهذا محلّ النّزاع
__________________
(١) هو أبو الحسين بن محمد بن على البصري الولادة البغدادي المسكن والمدفن ، توفى سنة ٤٣٦ ببغداد وكان من زعماء الاعتزال ، له تآليف وتصانيف منها كتاب المعتمد في اصول الفقه وقد استفاد منه الرازي في كتابه المحصول ومنها كتاب غرر الأدلة وغيرهما من الآثار فراجع الريحانة (ج ٥ ص ٤١).
(٢) إذ لا يلزم من دوران الشيء كالفعل الاختياري مع غيره كالقدرة والاختيار وجودا وعدما كون المدار علة للدائر ، ولا من العلية ان يسلم ثبوتها الاستقلالى بها لجواز