(نشأة النحو العربي)
كان العرب في جاهليتهم يقيمون في شبه الجزيرة العربية لا يختلطون بغيرهم من الأجانب إلا لماما .. وقد أدى ذلك إلى فصاحة لهجاتهم .. وقوة بيانهم وابتعادهم عن اللحن والتحريف ...
ولقد كانت «قريش» في وضع كريم يجعل منها سيّدة لقبائل العرب الأخرى فهي التي تستأثر بخدمة البيت الحرام .. ويحج إليها العرب كل عام .. لأغراض اقتصادية كالتجارة وتبادل السلع .. وأهداف أدبية كشهود مجامع الخطابة والشعر في أسواق عكاظ ومجنة وذي المجاز .. تلك المجامع التي كانت ملتقى للشعراء والخطباء من جميع أنحاء الجزيرة العربية للتفاخر بالأنساب .. والتباري في الخطابة .. والتهاجي بالشعر ... والاحتكام في كل ذلك إلى النابهين من الشعراء والخطباء ليحكموا لهم أو عليهم وقد اشتهر من هؤلاء الحكام النابغة الذّبياني الذي كان حكمه نافذا لا يرد وقد تمكنت قريش بما أتيح لها من هذه العوامل أن تكون أنقى القبائل لهجة وأفصحهم لغة ، وأوفرهم حظا من البيان ... فسادت لغتها على سائر اللهجات .. وتبارى الأدباء في استعمالها فانتشرت في أنحاء الجزيرة العربية ... وكان ذلك مؤذنا بنزول القرآن بها ..
وعند ما أشرقت شمس الإسلام على الجزيرة العربية .. ودخل الناس في دين الله أفواجا اضطر العرب إلى الانتشار في الأرض .. والاتصال بالناس ، والاختلاط بغيرهم من الأعاجم في سائر الأمصار المفتوحة ..
إذ كانوا هم المجاهدين الذين يتحركون بالدعوة الجديدة إلى شتى أنحاء العالم .. وقد أنشأوا على مر الأيام علاقات واشجة بأهل هذه البلاد. وتبادلوا معهم التجارة .. ثم تزوجوا منهم .. فنشأت ناشئة جديدة من المولدين لا تستطيع ضبط لسانها .. ومن هنا أخذت سلائق العرب تفسد ، وطبيعتهم تنحرف ـ فظهر اللحن .. ثم أخذ يستشرى ويتسع حتى أزعج الغيورين على الفصحى. وأقلق نفوسهم ..