الحركة بإثارة بعض مسائل نحوية حول آيات من كتاب الله ـ وأبيات من الشعر ـ وقيل إن عيسى الثقفي المتوفى سنة ١٤٩ ه جمع تلك المسائل في كتابين سماهما (الجامع والإكمال) ولكن لم يصل إلينا شيء منهما ـ ثم جاء نابغة العرب والمسلمين الخليل بن أحمد المتوفى سنة ١٧٥ ه فكان له في النحو نظر أدق ، وعلم أوسع ، وتتبّع للنصوص والشواهد أكثر من سابقيه .. فوضع كثيرا من أصول هذا العلم على نحو يقترب من الأسلوب الذي نقرأه الآن ، ولكنه لم يترك في ذلك كتابا مؤلفا ـ وإنما أفضى بخلاصة فكره إلى تلميذه النابه «سيبويه» الذي ضم إلى علم أستاذه خلاصة آرائه وآراء معاصريه ، ثم رتّب ذلك كله وضمّنه كتابه القيم «الكتاب» الذي نال ثقة العلماء ـ وذاع أمره في كل بقاع الدنيا .. وما زال حتى وقتنا هذا مالىء الدنيا وشاغل النّاس ـ حتى لقد قيل : من لم يقرأ كتاب سيبويه فليس جديرا أن يكون نحويا .. وصار الكتاب إذا أطلق انصرف إلى كتاب سيبويه إعظاما لشأنه.
ولقد كان أساس هذه الدراسات هو القرآن الكريم والحديث الشريف.
والشعر الموثوق بصحته. ومشافهة العرب والرحلة إليهم ـ وتحمّل العلماء في سبيل ذلك جهودا مضنية ، ولم تكن قبائل العرب كلها صالحة للأخذ عنها ـ بسبب القرب من الحضر ومخالطة الأعاجم ـ فكانت قبائل قيس وتميم وأسد وهذيل وبعض كنانة وبعض الطائيين أهلا للثقة بها والاطمئنان إليها .. لبعدها عن مواطن اللحن. ولهذا أخذوا عنها ...
أما قبائل حمير ولخم وجذام وقضاعة وغسان وإياد وثقيف فلم تكن أهلا للثقة بسبب مجاورة الأعاجم ، وتسرب اللحن إلى ألسنتها ، ولذلك استبعدها العلماء فلم يأخذوا عنها.
نشأة المذهب البصري والسمات المميزة له :
سبق علماء البصرة بالعراق إلى تدوين مسائل النحو ـ وذلك بعد طول اتصال بعرب البادية للأخذ عنهم ، وقد كانت البصرة قريبة من بادية نجد ـ وعلى ثلاثة فراسخ من المربد الذي آل أمره إلى سوق أدبي للشعر