سورة (المائدة / ٦) (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ،) وكذلك اختلافهم في الآية نفسها في غسل الرجلين أو مسحهما لاختلافهم في إعراب (أرجلكم) فهل هي معطوفة على الرؤوس بالجر ، أو أنها منصوبة بفعل محذوف ، فقد قرئت بالجر والنصب كما في معجم القراآت (٢ / ١٩٤ ـ ١٩٥) ولا يستطيع أن يفصل في هذه الخلافات ويهدى إلى الموقف السديد من فقهاء الشريعة إلا متقن للعربية متعمق في فهم أسرارها.
فمما يحققه متقن العربية في ميدان فقه النص القرآني جوانب عدة :
ـ منها حسن اختياره بمعرفته أثر حركة الإعراب في تغيير المعاني القرآنية واختلافها.
ـ ومنها عصمته من الانزلاق إلى فساد المعنى بسبب التأثّر بالشائع من الألفاظ والأساليب.
أما حسن الاختيار بفضل معرفة أثر حركة الإعراب في تغيير المعاني القرآنية واختلافها فأمره دقيق مثير. وفيه احتمالان :
أولهما : أن يكون تغيّر الحركة بسبب خطأ من القارئ ، مما قد يؤدّي أحيانا إلى نقيض المعنى وفساده. من ذلك ما روي عن أحد الأعراب الفصحاء وقد وفد إلى البصرة ليتعلم قراءة القرآن الكريم على أحد القرّاء آنذاك ، فأقرأه القارئ قوله تعالى في سورة (التوبة / ٣) (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) بجرّ (رسوله) الثانية. فقال الأعرابي معقبا (إن كان الله قد برئ من رسوله فأنا منه أبرأ). وكان أبو الأسود الدؤليّ شيخ علماء عصره (ت ٦٩ ه) مارا في تلك اللحظة وسمع القراءة وتعليق الأعرابي فقال مستنكرا : لا يا أعرابي ،