٣ ـ إذا تأتّى أن يجيء المتّصل لا يعدل إلى المنفصل :
يقول المبرّد : اعلم أنّ كلّ موضع تقدر فيه على الضّمير متّصلا ، فالمنفصل لا يقع فيه ، تقول : «قمت» ولا يصلح «قام أنا» وكذلك «ضربتك» لا يصلح ضربت إيّاك ، وكذلك ظننتك قائما ، ورأيتني ، وهكذا .. فأمّا قول زياد بن حمل التميمي :
وما أصاحب من قوم فأذكرهم |
إلّا يزيدهم حبّا إليّ هم (١) |
وقول الفرزدق :
بالباعث الوارث الأموات قد ضمنت |
إيّاهم الأرض في دهر الدهارير (٢) |
فضرورة فيهما.
ويستثنى من هذه القاعدة مسألتان ، يجوز فيهما الانفصال مع إمكان الاتّصال.
(إحداهما) أن يكون عامل الضّمير عاملا في ضمير آخر أعرف (٣) منه مقدّما عليه ، وليس المقدّم مرفوعا ، فيجوز حينئذ في الضّمير الثّاني الاتّصال والانفصال.
ثمّ إن كان العامل في الضّميرين فعلا غير ناسخ كباب «أعطى» فالوصل أرجح كقولك «الكتاب أعطنيه ، أو سلنيه» فـ «أعطنيه» فعل غير ناسخ عامل في ضميرين «الياء والهاء» والياء أعرف من الهاء ، فجاز في مثل هذا وصل الضّمير الثاني وفصله ، تقول : «سلنيه» و «سلني إيّاه» فمن الوصل قوله تعالى : (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ)(٤) و (أَنُلْزِمُكُمُوها)(٥) ، ومن الفصل قول النبيّ (صلىاللهعليهوسلم) : (إنّ الله ملّككم إيّاهم) ولو وصل لقال : «ملّككموهم» ولكنّه فرّ من الثّقل الحاصل من اجتماع الواو مع ثلاث ضمّات.
وإن كان العامل فعلا ناسخا من باب
__________________
(١) معنى البيت : ما صحبت قوما بعد قومي فذكرت لهم قومي إلا بالغوا في الثناء عليهم حتى يزيدوا قومي حبّا إليّ ، وإعراب هم في يزيد مفعول أول ليزيد وحبّا مفعوله الثاني وهم الثانية آخر البيت فاعل يزيد والأصل يزيدون ، فعدل عن الواو إلى هم للضرورة.
(٢) قوله : بالباعث متعلقة بحلفت في بيت قبله ، والباعث : هو الذي يبعث الأموات ، والوارث هو الذي ترجع إليه الأملاك ، وضمنت : اشتملت ، والدهر : الزمن ، والدهارير : الشدائد ، والشاهد هنا قوله : «ضمنت إياهم» فإياهم مفعول ضمنت ، والأصل أن يقول : ضمنتهم.
(٣) ضمير المتكلم أعرف من ضمير المخاطب وضمير المخاطب أعرف من ضمير الغائب.
(٤) الآية «١٣٧» من سورة البقرة «٢».
(٥) الآية «٢٨» من سورة هود «١١».