«ليس خلق الله مثله» فلو لا أنّ فيه إضمارا ـ وهو ضمير الشّأن ـ لم يجز أن تذكر الفعل ولم تعمله في الاسم ، ولكن فيه من الإضمار مثل ما في إنه نحو «إنه من يأتنا نأته». قال الشاعر وهو حميد الأرقط :
فأصبحوا والنّوى عالي معرّسهم |
وليس كلّ النّوى تلقي المساكين (١) |
أراد : وليس تلقي المساكين كلّ النّوى ، فاسم ليس ضمير الشّأن لأنّ كلّ مفعول لتلقي. ومثله قول هشام أخي ذي الرّمّة :
هي الشّفاء لدائي لو ظفرت بها |
وليس منها شفاء الدّاء مبذول |
(٢) تأتي أداة للاستثناء ، والمستثنى بها واجب النّصب ، لأنّه خبرها ، واسمها ضمير مستتر وجوبا يعود على اسم الفاعل المفهوم من فعله السّابق ، فإذا قلنا «قام القوم ليس بكرا» يكون التقدير ليس القائم بكرا.
وعند الخليل ـ كما يقول سيبويه ـ قد تكون «ليس» وما بعدها صفة وذلك قولك ما أتاني أحد ليس زيدا» يقول سيبويه : ويدلّك على أنّه صفة أنّ بعضهم يقول : «ما أتتني امرأة ليست فلانة» فلو لم يجعلوه صفة لم يؤنّثوه.
(٣) تأتي عاطفة (٢) وتقتضي التّشريك باللّفظ دون المعنى لأنّ المعنى ينفي فيها ما بعدها ما ثبت لما قبلها ، وعلى ذلك قول لبيد بن ربيعة العامري يحثّ على المكافأة :
وإذا أقرضت قرضا فاجزه |
إنّما يجزي الفتى ليس الجمل (٣) |
ليس غير وليس إلّا : إذا وقع بعد «ليس» «غير» وعلم المضاف إليه جاز ذكره ، نحو «أخذت عشرة كتب ليس غيرها» (٤) ، وجاز حذفه لفظا ، فيضم بغير تنوين فتقول : «دعوت ثلاثة ليس غير» على أنّها ضمّة بناء لأنها ك «قبل» في الإبهام ، فهي اسم ليس أو خبرها.
ومثلها : ليس إلّا ـ كما يقول سيبويه ـ كأنّه يقول : ليس إلّا ذاك ، ولكنهم حذفوا ذاك تخفيفا واكتفاء بعلم المخاطب ، وكلاهما محذوف الخبر ، التّقدير : ليس إلّا ذاك حاضرا.
__________________
(١) المعرّس : المنزل ينزله المسافر آخر الليل ، يريد : أكلوا تمرا كثيرا وألقوا نواه ، ولشدة جوعهم لم يلقوا كل النوى.
(٢) وهذا عند البغداديين ، وعند غيرهم وهم أكثر النحاة : ليست حرف عطف.
(٣) والجمل في البيت اسم ليس ، وخبرها محذوف أي ليس الجمل جازيا.
(٤) برفع غيرها اسما والخبر محذوف أي ليس غيرها مأخوذا ، أو بالنصب على حذف الاسم أي ليس المأخوذ غيرها.