فمن باب المفعول المطلق المحذوف عامله ، على حدّ قولك «ما محمّد إلّا سيرا» أي يسير سيرا والتقدير في البيت : ما الدّهر إلّا يدور دوران منجنون بأهله ، وما صاحب الحاجات إلا يعذّب تعذيبا ، وأجاز يونس النصب بعد الإيجاب مطلقا ، وهذا البيت يشهد له (١).
ولأجل هذا الشّرط وجب الرّفع بعد «بل ولكن» في نحو : «ما هشام مسافرا بل مقيم» أو «لكن مقيم» على أنه خبر لمبتدأ محذوف ولم يجز نصبه بالعطف لأنّه موجب.
(الثالث) ألّا يتقدّم الخبر على الاسم وإن كان جارّا ومجرورا ، فإن تقدّم بطل كقولهم «ما مسيء من أعتب» (٢). وقول الشاعر :
وما خذّل قومي فأخضع للعدى |
ولكن إذا أدعوهم فهم هم (٣) |
قال سيبويه : وزعموا أن بعضهم قال وهو الفرزدق :
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم |
إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر |
بنصب «مثلهم» مع تقدمه ، فقال سيبويه : وهذا لا يكاد يعرف ، على أن الفرزدق تميمي يرفعه مؤخّرا فكيف إذا تقدّم ،.
(الرابع) ألّا يتقدّم معمول خبرها على اسمها ، فإن تقدّم بطل عملها كقول مزاحم العقيلي :
وقالوا تعرّفها المنازل من منى |
وما كلّ من وافى منى أنا عارف (٤) |
إلّا إن كان المعمول ظرفا أو مجرورا فيجوز عملها كقول الشاعر :
بأهبة حزم لذ وإن كنت آمنا |
فما كلّ حين من توالي مواليا (٥) |
والأصل : فما من توالي مواليا كلّ حين.
__________________
(١) وعند الفراء يجوز النصب بعد الإيجاب إذا كان الخبر وصفا.
(٢) فـ «مسيء» خبر مقدم و «من» مبتدأ مؤخر ، وحكى الجرمي «ما مسيئا من أعتب» على الإعمال وقال : إنه لغة ، والمعتب : الذي عاد إلى مسرّتك بعدما ساءك.
(٣) «خذل» جمع خاذل ، خبر مقدم و «قومي» مبتدأ مؤخر.
(٤) «تعرّفها» يقال : تعرّفت ما عند فلان : أي تطلبت حتى عرفت ، «المنازل» مفعول فيه ، أو منصوب بنزع الخافض ، و «كل» مفعول «عارف». فبطل عمل «ما» لتقدم معمول الخبر على الاسم فـ «أنا عارف» مبتدأ وخبره.
(٥) فـ «ما» نافية حجازية «من توالي» اسم موصول اسمها «مواليا» خبرها منصوب «كل حين» ظرف زمان منصوب ب «مواليا».