هي ـ كما يقول سيبويه ـ حرف الاستفهام الذي لا يزول عنه لغيره ، وليس للاستفهام في الأصل غيره ، وإنّما تركوا الألف ـ أي همزة الاستفهام ـ في : «من ، ومتى ، وهل» ، ونحوهن ، حيث أمنوا الالتباس ، ولهذا خصّت بأحكام :
(أحدها) جواز حذفها سواء تقدّمت على «أم» كقول ابن أبي ربيعة :
فو الله ما أدري وإن كنت داريا |
بسبع رمين الجمر أم بثمان؟ |
أراد : أبسبع.
أم لم تتقدّمها كقول الكميت :
طربت وما شوقا إلى البيض أطرب ولا لعبا مني ، وذو الشيب يلعب؟ (١)
(الثاني) أنّها ترد لطلب التصوّر نحو «أخالد مقبل أم عبيدة». ولطلب التّصديق نحو «أمحمّد قادم» وبقيّة أدوات الاستفهام مختصّة بطلب التصوّر (٢) إلّا «هل» فهي مختصّة بطلب التصديق.
(الثالث) أنّها تدخل على الإثبات كما تقدّم ، وعلى النّفي نحو : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)(٣).
(الرابع) تمام التّصدير ، وذلك أنّها أوّلا : لا تذكر بعد «أم» التي للإضراب كما يذكر غيرها ، لا تقول : «أقرأ خالد أم أكتب» وتقول : «أم هل كتب» وثانيا : أنّها إذا كانت في جملة معطوفة ب «الواو» أو ب «الفاء» أو «ثمّ» قدّمت على العاطف تنبيها على أصالتها في التّصدير : نحو : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا)(٤)(أَفَلَمْ يَسِيرُوا)(٥)(أَثُمَّ إِذا ما وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ)(٦) وأخواتها تتأخّر عن حروف العطف نحو : (وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ)(٧)(فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ)(٨)(فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)(٩)(فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ)(١٠)(فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ)(١١)(فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ)(١٢).
(الخامس) تختلف همزة الاستفهام عن غيرها اختلافا في أمور كثيرة ، وما يجوز فيها لا يجوز بغيرها.
فيجوز أن يأتي بعدها اسم منصوب
__________________
(١) يريد : أو ذو الشيب يلعب ، فحذف همزة الاستفهام مع وجود معنى الاستفهام.
(٢) انظر في «هل» التعليق على معنى التصديق والتصور.
(٣) الآية «١» من سورة الانشراح «٩٤».
(٤) الآية «١٨٥» من سورة الأعراف «٧».
(٥) الآية «١٠٩» من سورة يوسف «١٢».
(٦) الآية «٥١» من سورة يونس «١٠».
(٧) الآية «١٠١» من سورة آل عمران «٣».
(٨) الآية «٢٦» من سورة التكوير «٨١».
(٩) الآية «٩٥» من سورة الأنعام «٦».
(١٠) الآية «٣٥» من سورة الأحقاف «٤٦».
(١١) الآية «٨١» من سورة الأنعام «٦».
(١٢) الآية «٨٨» من سورة النساء «٤».