ورأيت بعلبكّ ومررت ببعلبكّ ، فلا ينصرف للعلّتين وهذا هو الفصيح ، ومن العرب من يعرب الأوّل بالرفع والنّصب والجرّ كالمضاف ، ويعرب الثاني إعراب المضاف إليه الغير المنصرف ، ومن هؤلاء من يعرب الثاني إعراب المضاف إليه المنصرف فيقول : هذا بعلبكّ بجرّ الثاني في الأحوال الثلاث (١) وأمّا نحو : (٢) : «ذهبوا أيدي سبا» فقد عدّه المحققون (٣) من باب المبنيّات وهو مشكل ؛ فإنّ معناه ذهبوا مثل أيدي سبا في تشتّتهم ، فحذف المضاف الذي هو مثل ، وأعرب المضاف إليه بإعرابه ثم حقّقت الهمزة من سبأ ، وسكّنت الياء من أيدي على التخفيف وذلك لا يوجب بناء (٤).
ذكر الكنايات المبنيّات (٥)
وهي سابع المبنيّات ، والكناية من كنيت إذا سترت ومنه كنية الشّخص ؛ سمّيت بذلك لكونها تستر اسمه (٦) وتكون الكناية معربة نحو : فلان ، ويسمّى الضمير مكنيّا أيضا ، وليس ذلك بمراد هاهنا ، وإنّما المراد الكنايات المبنيّة ، وهي : كلّ لفظ مجمل يعبّر به عن مفصّل ، ويكون إجماله إمّا لنسيانه أو لقصد إبهامه على السّامعين ، بحيث لا يعلم معناه إلّا من يعرف ذلك التفصيل نحو : عندي كذا كذا درهما ، فكذا كذا درهما ، مجمل وله تفصيل من نحو : عشرين أو خمسين أو غير ذلك ، وقد عبّر عنه بهذا اللفظ المجمل ، أعني كذا كذا درهما ، إمّا للنسيان أو للإبهام على السّامعين (٧) وألفاظ الكنايات كم وكذا للعدد ، وكيت وذيت للحديث وقد قيل : (٨) إنّ كم الاستفهامية ليست من الكنايات ، لأنّها وضعت للاستفهام عن العدد فلا تكون بهذا
__________________
(١) شرح المفصل ، ٤ / ١٢٤.
(٢) المستقصى ، ٢ / ٨٨ وفرائد اللآل ، ١ / ٢٢٧ وانظر الكتاب ، ٣ / ٣٠٤ والمقتضب ، ٤ / ٢٥.
(٣) في شرح الكافية ، للرضي ٢ / ٩٠ وجعل جار الله بادي بدا وأيدي سبا من باب معد يكرب ، وجعلها سيبويه من باب خمسة عشر ، وهو الأولى ، وانظر الكتاب ، ٣ / ٣٠٤ وشرح المفصل ، ٤ / ١٢٢.
(٤) شرح الكافية ، لابن الحاجب ، ٢ / ٥٤٦ والنقل منه.
(٥) الكافية ، ٤٠٧.
(٦) اللسان ، كنى وخلل.
(٧) شرح المفصل ، ٤ / ١٢٦.
(٨) القائل هو ابن الحاجب نصّ على ذلك في شرح الكافية ، ٢ / ٥٤٩ ونسب إليه أيضا في الأسرار الصافية للنجراني ، ٩٨ وشرح الكافية ، للرضي ٢ / ٩٣.