ولا بأس به لو لا الموثقة السابقة (١) الظاهرة في بقاء المنع في صورة التأخّر إلى أن تتأخّر عنه بحيث لا يحاذي جزء منها جزءا منه. والأخبار الصحيحة وإن ترجّحت عليها من وجوه عديدة ، ولكن الأخذ بها أولى في مقام الكراهة ، بناء على المسامحة في أدلّتها ، مع اشتهار العمل بها أيضا ، فلتحمل الصحاح على خفّة الكراهة لا انتفائها ، وعليه تحمل الموثقة.
وهل يعتبر في الحائل كونه ستيرا بحيث لا يرى أحدهما الآخر مطلقا ، كما هو المتبادر من النص والفتوى؟
أم يكفي مطلقا ولو لم يكن ستيرا ، كما في الصحيح : عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى (٢) كله قبلته وجانباه ، وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه ، قال : « لا بأس » (٣)؟
وجهان ، والأوّل أنسب بمقام الكراهة.
ويرتفع المنع أيضا مطلقا مع الضرورة ، كما صرّح به جماعة (٤) ، اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن من النص والفتوى ، لاختصاصهما بحكم التبادر وغيره بحال الاختيار.
مضافا إلى فحوى ما دلّ على جواز الصلاة في المغصوب مع الضرورة. وفي الصحيح المروي في العلل : « إنما سمّيت مكّة بكّة لأنها يبتكّ (٥) بها الرجال والنساء ، والمرأة تصلّي بين يديك وعن يمينك وعن يسارك ومعك ، ولا
__________________
(١) في ص : ١٠.
(٢) الكوّة ـ بالضم والفتح والتشديد ـ النقبة في الحائط غير نافذة. مجمع البحرين ١ : ٣٦٤.
(٣) التهذيب ٢ : ٣٧٣ / ١٥٥٣ ، الوسائل ٥ : ١٢٩ أبواب مكان المصلي بـ ٨ ح ١.
(٤) منهم فخر المحققين في الإيضاح ١ : ٨٩ ، وصاحب المدارك ٣ : ٢٢٤ ، والفاضل الهندي في كشف اللثام ١ : ١٩٥.
(٥) أي : يزاحم ويدافع. مجمع البحرين ٥ : ٢٥٩.