ولقد نسب هذا القول إلى الحشوية من أهل السنة والجماعة ـ وهم أصحاب أبي الحسن البصري ـ فإنهم ذهبوا إلى وقوع التحريف في القرآن تغييرا ونقصانا (٨٨).
وفي كلام النحاس : إن العلماء تنازعوا حديث عائشة في الرضاع ، فرده جماعة وصححه آخرون ، قال :
«وأما قول من قال : إن هذا كان يقرأ بعد وفاة رسول الله ـ صلى الله عليه [وآله] وسلم ـ فعظيم ...» وستأتي عبارته كاملة.
ومن الواضح : أنه إذا كان يقرأ بعد وفاته ـ صلىاللهعليهوآله ـ في أصل القرآن وأنه لا نسخ بعده ـ صلىاللهعليهوآله ـ بالإجماع ... فهو إذا ساقط من القرآن ، فالقرآن محرف ... ومن ثم استعظم النحاس هذا القول.
وأما توجيه البيهقي لهذا الحديث : فإقرار منه بأن هذا كان من القرآن حتى بعد وفاة النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، وكان المسلمون يتلونه في أصل القرآن.
وزعمه : أن الآية كانت منسوخة على عهده ـ صلىاللهعليهوآله ـ وأن الذين كانوا يتلونها لم يبلغهم النسخ ، عار عن الصحة ولا دليل يدل عليه ، على أنا نقطع بأنه كما كان النبي ـ صلىاللهعليهوآله ـ ينشر سور القرآن وآياته ويأمر بقراءتها بمجرد نزولها ، فإنه كان عليه ـ على فرض وجود النسخ بصورة عامة ـ أن يذيع ذلك بين الأمة ويبلغهم جميعا ليطلع الكل على ذلك ، كما كان يفعل بالنسبة إلى نشر الآيات والسور النازلة.
على أن كلامه يستلزم أن تكون الآية من القرآن وأن لا تكون منه في وقت واحد ، وهو باطل ... وسيأتي مزيد بحث حوله ، في «الفصل الرابع».
وقال الشعراني (٨٩) : «ولولا ما يسبق للقلوب الضعيفة ووضع الحكمة في
__________________
(٨٨) مجمع البيان وغيره.
(٨٩) الشيخ عبد الوهاب بن أحمد الشعراني ، من فقهاء الحنفية ومن علماء المتصوفين ، له مؤلفات كثيرة في الحديث والمواعظ والتراجم وغيرها من العلوم ، توفي سنة ٩٧٣ ، وله ترجمة في الشذرات ٨ : ٣٧٢ وغيرها.