بذلك أن تقرأ : والذين قال لهم الناس.
وقرأ أيضا : مثل نور المؤمن كمشكاة ، وكان يقول : هي خطأ من الكاتب ، هو تعالى أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة.
وذكر ابن أشتة بأن جميع ما كتب خطأ يجب أن يقرأ على صحته لغة لا على رسمه ، وذلك كما في «لا أوضعوا ، لا أذبحنه» بزيادة ألف في وسط الكلمة. فلو قرئ ذلك بظاهر الخط لكان لحنا شنيعا يقلب معنى الكلام ويخل بنظامه ، يقول الله تعالى : إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون.
ومعنى حفظ القرآن : إبقاء شريعته وأحكامه إلى يوم القيامة وإعجازه أبد الدهر ، بحيث يظل المثل الأعلى للبلاغة والرصانة والعذوبة ، سهل النطق على اللسان ، جميل الوقع في الأذان ، يملك قلب القارئ ولب السامع.
وليس ما قدمنا من لحن الكتاب في المصحف بضائره أو بمشكك في حفظ الله تعالى له ، بل إن ما قاله ابن عباس وعائشة وغيرهما من فضلاء الصحابة وأجلاء التابعين أدعى لحفظه وعدم تغييره وتبديله. ومما لا شك فيه أن كتاب المصحف من البشر ، يجوز عليهم ما يجوز على سائرهم من السهو والغفلة والنسيان. والعصمة لله وحده ، ومثل لحن الكتاب كلحن المطابع ، فلو أن إحدى المطابع طبعت مصحفا به بعض الخطأ ـ وكثيرا ما يقع هذا ـ وسار على ذلك بعض قراء هذا المصحف ، لم يكن ذلك متعارضا مع حفظ الله تعالى له وإعلائه لشأنه» (٩٥).
قال : «وإنما الذي يستسيغه العقل ويؤيده الدليل والبرهان أنه إذا تعلم فرد الكتابة في أمة أمية ، فإن تعلمه لها يكون محدودا ويكون عرضة للخطأ في وضع الرسم والكلمات ، ولا يصح والحال كما قدمنا أن يؤخذ رسمه هذا أنموذجا تسير عليه الأمم التي ابتعدت عن الأمية بمراحل ، وأن نوجب عليها أخذه على علاته وفهمه على ما فيه من تناقض ظاهر وتنافر بين ، وذلك بدرجة أن العلماء الذين تخصصوا في رسم المصحف لم يستطيعوا أن يعللوا هذا التباين إلا بالتجائهم إلى
__________________
(٩٥) الفرقان : ٤١ ـ ٤٦ ملخصا.