الأول : إنه لا أصل للقسمين المذكورين من النسخ ... وتوضيح ذلك : أنهم قالوا بأن النسخ في القرآن على ثلاثة أضرب ، أحدها : ما نسخ لفظه وبقي حكمه. والثاني : ما نسخ لفظه وحكمه معا. والثالث : ما نسخ حكمه دون لفظه. وقد مثلوا للضرب الأول بآية الرجم ، ففي الصحيح عن عمر : إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها. قال ابن حزم : «فأما قول من لا يرى الرجم أصلا فقول مرغوب عنه ، لأنه خلاف الثابت عن رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ ، وقد كان نزل به قرآن ، ولكنه نسخ لفظه وبقي حكمه» (٦١).
وعلى ذلك حمل أبو شامة (٦٢) وكذا الطحاوي ، قال : «لكن عمر لم يقف على النسخ فقال ما قال ، ووقف على ذلك غيره من الأصحاب ، فكان من علم شيئا أولى ممن لم يعلمه ، وكان علم أبي بكر وعثمان وعلي بخروج آية الرجم من القرآن ونسخها منه أولى من ذهاب ذلك على عمر» (٦٣).
قال السيوطي : «وأمثلة هذا الضرب كثيرة» ثم حمل عليه قول ابن عمر : «لا يقولن ..» وما روي عن عائشة في سورة الأحزاب ، وما روي عن أبي وغيره من سورتي الخلع والحفد (٦٤).
وفي «المحلى» بعد أن روى قول أبي في عدد آيات سورة الأحزاب : «هذا إسناد صحيح كالشمس لا مغمز فيه» قال : «ولو لم ينسخ لفظها لأقرأها أبي بن كعب زرا بلا شك ، ولكنه أخبره بأنها كانت تعدل سورة البقرة ولم يقل له : إنها تعدل الآن ، فصح نسخ لفظها» (٦٥).
ومثلوا للثاني بآية الرضاع عن عائشة : «كان مما أنزل من القرآن عشر
__________________
(٦١) المحلى ١١ : ٢٣٤.
(٦٢) المرشد الوجيز : ٤٢ ـ ٤٣.
(٦٣) مشكل الآثار ٣ : ٥ ـ ٦.
(٦٤) الإتقان ٢ : ٨١.
(٦٥) المحلى ١١ : ٢٣٤.