طلاب العربية الذين واصلوا بعده مسيره في تطوير القواعد اللغوية والنحوية والأدبية ، وكان يكلفه بعض الأمراء بتعليم أبنائهم ، وكان المفزع لهم في معالجة المشاكل اللغوية والنحوية والثقافية ، وقد تعرضنا إلى مجالات ثقافية في ترجمة حياته ، لذلك نكتفي الآن بهذه الخطوط العريضة ، فالجاحظ مثلا يقول : «أبو الأسود معدود في طبقات من الناس وهو في كلها مقدم مأثور عنه الفضل في جميعها ، كان معدودا في التابعين والفقهاء والشعراء والمحدثين والأشراف والفرسان والأمراء والدهاة والنحويين والحاضري الجواب والشيعة» (٥٤).
فكان يملك مواهب ثقافية واجتماعية مختلفة ، فمثل هذا الشخص الفذ الذي يملك مثل هذه المواهب ألا يحتمل أنه وضع بدايات النحو بعد أن مهد الإمام ـ عليهالسلام ـ له الطريق ، وفتح عينه على هذا الموضوع ، وقد أجمع المؤرخون على أنه أول من حرك المصحف الشريف بواسطة التنقيط ، وفي هذه العملية دلالة كبيرة على معرفته الواسعة باللغة العربية وحركات الإعراب وعلى ما يملكه من عمق في التفكير وثقافة لغوية ، بل تدل على توجهه للقواعد النحوية.
ويتوصل عبد الرحمن السيد إلى النتيجة التالية فيقول : «كما لا يستطيع أحد أن يدعي أن عالما مشهودا له بالتقدم والتفوق مقصودا من الخلفاء والولادة لرسوخ قدمه في العلم وحدة ذكائه في الفهم ينقط المصحف كلمة كلمة ، ويلاحظ حركات حروفه حرفا حرفا ، ويفعل ذلك في دقة وبراعة ثم يخرج من عمله هذا دون أن تتكون لدية فكرة أولية عن عمل بعض الأدوات أو عن حركة بعض الكلمات ذات الوظيفة المتشابهة والوضع المتحد ، اللهم إلا أن يكون راسخ القدم في الغباء بعيدا عن صفات أبي الأسود» (٥٥).
ونحن نضيف إلى قوله : إن من يخوض هذه المهمة ويتكفل بالقيام بها لا بد أن يملك مسبقا توجها وفهما لبعض المسائل والقواعد النحوية.
__________________
(٥٤) نقلا عن مقدمة ديوان أبي الأسود ـ للدجيلي ـ : ١٣.
(٥٥) مدرسة البصرة النحوية : ٦٠.