خطيبا مصقعا ولقلبه أشد ظلمة من الليل المظلم (٣).
وهكذا الانهماك في تطبيق القواعد اللفظية ، بما يصرف توجهه عن المعاني ويقطع التفاته عن الهدف.
وهو ما ذكره الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما روي عنه ، من قوله : من انهمك في طلب النحو سلب الخشوع (٤).
نعم ، أن أغفال جانب اللفظ وحسن التعبير ، وصحح النص وسلامة العبارة عيب ، بلا ريب ، في الدعاء يحطه عن مرتبة الكمال اللازم في كل جوانب الدعاء من لفظه ومعناه ، ولابد للداعي العارف ، المتمكن من ذلك أن يتصف به ، فيكون دعاؤه بمستوى ما يطلب من المقام الرفيع المنشود.
ومن هنا ورد التأكيد البليغ على اتصاف الدعاء بالأدب ، ويراد به (الأدب العربي) في مراعاة القواعد اللغوية والنحوية والبلاغية ، إذا بلغ الداعي مرتبة عالية من العلم والمعرفة ، وبلغ من الدين والعقيدة مبلغا يحسن مثل هذا الطلب منه.
قال الإمام أبو جعفر محمد بن علي الجواد عليهالسلام : ما استوى رجلان في حسب ودين ـ قط ـ إلا كان أفضلهما عند الله آدبهما.
قال الراوي : جعلت فداك ، قد علمت فضله عند الناس ، في المنادي والمجالس ، فما فضله عند الله عزوجل؟!
قال عليهالسلام : بقراءة القرآن كما أنزل ، ودعائه الله عزوجل من حيث لا يلحن ، وذلك أن الدعاء الملحون لا يصعد إلى الله عزوجل (٥).
إن الكمال اللازم يجب أن يعم أدب الداعي ومعارفه ، فيكون كاملا في لغته التي يتقدم بالدعاء بها ، بعيدا عن اللحن المزري ، فإن الله يحب أن يرى
__________________
(١) الكافي ـ الأصول ـ ٢ / ٤٢٢.
(٢) بحار الأنوار ١ / ٧ ـ ٢١٨.
(٣) عدة الداعي : ١٨ ، وسائل الشيعة ٤ / ١١٠٧ ، وانظر : كنز العمال ٢ / ٢٩٣.