وهذا التأويل مبتن على أساس ما يسمى في علم البلاغة ب «القول بالموجب» (١) وهو أن يحمل المجيب ، اللفظ الوارد في السؤال ، على معنى لم يقصده السائل.
فالسائل أراد من النصب ، الإعراب.
والشريف أجابه على أنه أراد النصب العقائدي.
ولا ريب أن جواب الشريف هذا ، واستعماله هذا الأسلوب البلاغي البديع ، يحتاج إلى مزيد الدقة ، وجدة الذكاء ، وسرعة انتقال الخاطر ، والتوجه إلى المعاني المختلفة وإصابة المنحر في المسألة العقائدية ، بما كان صدوره من السيد الشريف في ذلك العمر موجبا للإعجاب الأكبر.
وهو الذي أثار حفيظة كثير من المتأدبين ، فحرفوا النادرة إلى ما يهوون!
إن الإباء المعهود في الشريف الرضي ، ذي النسب العلي ، والأنف الحمي ، دفعه إلى اعتبار الامتحان في الحلقة امتهانا ، وإثارة للطائفية المقموتة ، فكأنه فهم ـ وهو الملاحظ ـ أنهم أرادوا أن يجبروه على أن يتصور صورة كلمة «عمر» التي سيؤول إليها لفظ «عمرو» في حالة النصب ، فأبي أن ينصاع لهم ، وإنما ذكر لازمها وهو «بغض علي» ، فجابههم بهذا الجواب اللاذع.
وفي إجابة واحدة جمع الشريف الرضي بين شتات كل هذه المطالب وهذا منه ـ وهو طفل لم يبلغ العاشرة ، في حلقة علماء الفن ـ يدل ـ بلا ريب ـ على ذكاء مفرط ونبوغ مبكر.
وقد جمعنا بإبرازنا لهذه النكت الطريقة بين ما يناسب شخصية الشريف المرموقة ، وبين شهرة النادرة الواسعة ، ورفعنا الخلل الواقع في النسخ المختلفة من المصادر الناقلة لها.
__________________
(١) كذا يسميه قدماء البلاغيين ، وسماه في كتاب «الأسلوب الصحيح في البلاغة» ـ ص ٧٨ ـ ب «التعريف».