يوم التغابن» (٢٢) فهذا وما جرى مجراه أول مقام المرابطة مع النفس وهي المحاسبة قبل العمل.
وأما محاسبتها بعده ، فليكن في آخر النهار ساعة يطالب فيها النفس ويحاسبها على جميع حركاتها وسكناتها كما يفعل التاجر في الدنيا مع الشريك في آخر كل يوم أو شهر أو سنة خوفا [من] أن يفوته منها ما لو فاته لكانت الخيرة في فواته ، ولو حصل بخير لا يبقى إلا أياما قليلة. وكيف لا يحاسب العاقل نفسه فيما يتعلق به خطر الشقاوة أو السعادة أبد الآباد؟! قال الله تعالى : «يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد» (٢٣) وهي إشارة إلى المحاسبة على ما مضى من الأعمال. وقال صلىاللهعليهوآله : «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا» (٢٤) وجاءه صلىاللهعليهوآله رجل فقال : يا رسول الله أوصني. فقال صلى الله عليه وآله «أمستوص أنت؟» قال : نعم. قال صلىاللهعليهوآله «إذا هممت بأمر فتدبر عاقبته ، فإن كان رشدا فامضه ، وإن كان غيا فانته عنه» (٢٥). وقال صلىاللهعليهوآله : «ينبغي للعاقل أن يكون له أربع ساعات : ساعة يحاسب فيها نفسه ...» الحديث (٢٦).
ولما كانت محاسبة الشريك عبارة عن النظر في رأس المال أو في الربح أو الخسران ليتبين له الزيادة من النقصان ، فكذلك رأس مال العبد في دينه الفرائض وربحه النوافل والفضائل ، وخسرانه المعاصي ، وموسم هذه التجارة جملة النهار ، ومعامله نفسه الأمارة بالسوء ، فليحاسبها على الفرائض أولا : فإن
__________________
(٢٢) التغابن ٦٤ : ٩.
(٢٣) الحشر ٥٩ : ١٨.
(٢٤) محاسبة النفس : ١٣ ، إحياء علوم الدين ٤ / ٤٠٤ ، ولكنه نقله عن «بعضهم» لا عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، المنهج القوي ٤ / ٣١٣ كما في أحاديث مثنوي : ١١٦.
(٢٥) إحياء علوم الدين ٤ / ٤٠٤.
(٢٦) إحياء علوم الدين ٤ / ٤٠٤.