نوح عليهالسلام بعد استماع خطابه سبحانه : ( رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ).
ولو كان سأل شيئاً من قبل لكان عليه أن يقول : أعوذ بك ممّا سألت أو ما يشابه ذلك ، وممّا يوضح أنّ نوحاً لم يسأل شيئاً من ربّه قوله سبحانه : ( إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ ) تعليلاً لنهيه ( فَلا تَسْأَلْنِ ) ، فلو كان نوح عليهالسلام سأل شيئاً من قبل لكان من الجاهلين ، لأنّه سأل ما ليس له به علم.
وأيضاً لو كان المراد من النهي عن السؤال أن لا يتكرر منه ذلك بعد ما وقع منه مرّة لكان الأنسب أن يصرّح بالنهي عن العود إلى مثله دون النهي عن أصله ، كما ورد نظيره في القرآن الكريم : ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ ... يَعِظُكُمُ اللهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً ) (١). (٢)
إلى هنا تبيّن الجواب عن السؤال الثاني ، واتضح أنّه لم يسبق منه عليهالسلام سؤال غير لائق بساحته ، بقي الكلام في السؤال الثالث.
وحاصله : أنّ طلب الغفران في قوله : ( وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الخَاسِرِينَ ) لا يجتمع مع العصمة.
أقول : إنّ هذا كلام ، صورته التوبة وحقيقته الشكر على ما أنعم الله عليه من التعليم والتأديب ، أمّا أنّ صورته صورة التوبة ، فإنّ في ذلك رجوعاً إلى الله تعالى بالاستعاذة ، ولازمها طلب مغفرة الله ورحمته ، أي ستره على الإنسان ما فيه زلته ،
__________________
(١) النور : ١٥ ـ ١٧.
(٢) الميزان : ١٠ / ٢٤٥.