الثانية : انّه كان معترفاً بربوبيته نافياً ربوبية غيره ، ولكنّه حيث كان بصدد هداية قومه وفكّهم من عبادة الأجرام ، جاراهم في منطقهم لكي لا يصدم مشاعرهم ويثير عنادهم ولجاجهم ، فتدرج في إبطال ربوبية معبوداتهم الواحد تلو الآخر ، بما يطرأ عليها من الأُفول والغيبة والتحوّل والحركة مما لا يليق بالربّ المدبّر ، ومثل هذا جائز للمعلم الذي يريد هداية جماعة معاندة في عقيدتهم ، منحرفة عن جادة الصواب ، وهذه إحدى طرق الهداية والتربية ، فأين التكلّم بكلمة الشرك عن جد ؟!
وإلى ذلك الجواب أشار السيد المرتضى في كلامه بأنّ إبراهيم عليهالسلام لم يقل ما تضمّنته الآيات على طريق الشك ، ولا في زمان مهلة النظر والفكر ، بل كان في تلك الحال موقناً عالماً بأنّ ربَّه تعالى لا يجوز أن يكون بصفة شيء من الكواكب ، وانّما قال ذلك على أحد وجهين :
الأوّل : انّه ربّي عندكم ، وعلى مذاهبكم ، كما يقول أحدنا على سبيل الإنكار للمشتبه هذا ربّه جسم يتحرك ويسكن.
الثاني : انّه قال ذلك مستفهماً وأسقط حرف الاستفهام للاستغناء عنها (١).
والوجه الأوّل من الشقين في هذا الجواب هو الواضح.
قوله سبحانه : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ... وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ * فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ... قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا
__________________
(١) تنزيه الأنبياء : ٢٣.