قبيل الثاني ، فقوله سبحانه : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ) يؤوّل إلى جملتين : إحداهما مطلقة ، والأُخرى مشروطة.
أمّا المطلقة فهي قوله : ( وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ) ، وهو يدل على تحقّق « الهم » من عزيزة مصر بلا تردد.
أمّا المقيدة فهي قوله : ( وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ) وتقديره : « لولا أن رأى برهان ربّه لهمّ بها » فيدل على عدم تحقق الهم منه لما رأى برهان ربّه ، وأمّا الجملة المتقدمة على « لولا » أعني قوله ( وَهَمَّ بِهَا ) فلا تدل على تحقق الهم ، لأنّها ليست جملة منفصلة عمّا بعدها ، حتى تدل على تحقق الهمّ ، وانّما هي قائمة مكان الجواب ، فتكون مشروطة ومعلّقة مثله ، وسيوافيك تفصيله عن قريب.
البرهان هو الحجة ويراد به السبب المفيد لليقين ، قال سبحانه : ( فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ ) (١) ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ ) (٢) ، وقال سبحانه : ( أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (٣) ، فالبرهان هو الحجة اليقينية التي تجلي الحق ولا تدع ريباً لمرتاب ، وعلى ذلك فيجب أن يعلم ما هذا البرهان الذي رآه يوسف عليهالسلام ؟
والذي يمكن أن يكون مصداق البرهان في المقام هو العلم المكشوف واليقين المشهود الذي يجر النفس الإنسانية إلى طاعة لا تميل معها إلى معصية ،
__________________
(١) القصص : ٣٢.
(٢) النساء : ١٧٤.
(٣) النمل : ٦٤.