وحاصله : أنّه قد استولت عليّ الغفلة حين الاقتراف ، وغاب عني ما يترتب عليه من رد فعل ومر العاقبة ، ففعلت ما فعلت.
ومن اللحن الواضح تفسير الضلالة بضد الهداية ، كيف وانّ الله سبحانه يصفه قبل أن يقترف القتل بقوله : ( آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ ) (١) ، كما أنّ نفس موسى بعد ما طلب المغفرة واستشعر إجابة دعائه قال : ( رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ ) (٢) ، أفيصح بعد هذا تفسير الضلالة بالغواية ضد الهداية ؟! كلا ولا.
هذا كلّه حول المستمسك الأوّل ، أعني : قتل القبطي ، فهلم معي ندرس المستمسك الثاني للخصم من اتهام كليم الله الأعظم ، عليه وعلى جميع رسل الله آلاف الثناء والتحية ، بعدم العصمة.
إنّ الله سبحانه واعد موسى ـ بعد أن أغرق فرعون ـ بأن يأتي جانب الطور الأيمن فيوفيه التوراة التي فيها بيان الشرائع والأحكام وما يحتاج إليه ، وكانت المواعدة على أن يوافي الميعاد مع جماعة من وجوه قومه ، فتعجّل موسى من بينهم شوقاً إلى ربّه وسبقهم على أن يلحقوا به ، ولمّا خاطبه سبحانه بقوله : ( وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَىٰ ) أجابه بأنّهم ( عَلَىٰ أَثَرِي ) وورائي يدركونني عن قريب ، وعند ذلك أخبره سبحانه بأنّه امتحن قومه بعد فراقه ( وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ) ، فرجع موسى من الميقات إلى بني إسرائيل حزيناً مغضباً ، فرأى أنّ السامري
__________________
(١) القصص : ١٤.
(٢) القصص : ١٧.