ابن أُم مكتوم متوقفاً على العبوسة والتولّي عنه ، أو كان أمره بالسكوت والاستمهال منه حتى يتم كلامه مع القوم ، أمراً غير شاق على النبي ، فلماذا ترك هذا الطريق السهل ؟
وهذه الوجوه الخمسة وإن أمكن الاعتذار عن بعضها بأنّ العبوسة والتولّي مرّة واحدة لا ينافي ما وصف به النبي في القرآن من الخلق العظيم وغيره ، لكن محصل هذه الوجوه يورث الشك في صحة الرواية ويسلب الاعتماد عليها.
هذا كلّه حول الرواية الأُولى.
فهي لا تنطبق على ظاهر الآيات ، لأنّ محصلها أنّ رجلاً من بني أُمية كان عند النبي فجاء ابن أُمّ مكتوم ، فلمّا رآه ذلك الرجل تقذّر منه وجمع نفسه ، وعبس وأعرض بوجهه عنه ، فحكى الله سبحانه ذلك وأنكره عليه.
ولكن هذا المقدار المنقول في سبب النزول لا يكفي في توضيح الآيات ، ولا يرفع إبهامها ، لأنّ الظاهر أنّ العابس والمتولّي ، هو المخاطب بقول سبحانه : ( وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّىٰ ) إلى قوله : ( فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّىٰ ) ، فلو كان المتعبس والمتولّي ، هو الفرد الأموي ، فيجب أن يكون هو المخاطب بالخطابات الستة لا غيره ، مع أنّ الرواية لا تدل على ذلك ، بل غاية ما تدل عليه أنّ فرداً من الأمويين عبس وتولّى عندما جاءه الأعمى فقط ، ولا تلقي الضوء على الخطابات الآتية بعد الآيتين الأُوليين وإنّها إلى من تهدف ، فهل تقصد ذاك الرجل الأموي وهو بعيد ، أو النبي الأكرم ؟
هذا هو القضاء بين السببين المرويين للنزول ، وقد عرفت الأسئلة الموجهة