كان البحث عن إيمان عبد المطلب وسيد البطحاء ووالدي النبي ، كمقدمة للبحث عن إيمان النبي الأكرم قبل البعثة ، فإنّ إيمانه برسالته وإن كان أمراً مسلّماً وواضحاً كوضوح الشمس غير محتاج إلى الإسهاب غير أنّ إكمال البحث يجرّنا إلى أن نأتي ببعض ما ذكره التاريخ من ملامح حياته منذ صباه إلى أن بعث نبياً ، حتى يقترن ذلك الاتفاق بأصح الدلائل التاريخية ، وإليك الأقوال :
١. روى صاحب المنتقى في حديث طويل : أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لما تمَّ له ثلاث سنين ، قال يوماً لوالدته ( لمرضعته ) « حليمة السعدية » : « ما لي لا أرى أخوي بالنهار ؟ » قالت له : يابني إنّهما يرعيان غنيمات. قال : « فما لي لا أخرج معهما ؟ » قالت له : أتحب ذلك ؟ قال : « نعم » ، فلمّا أصبح محمد دهنته وكحّلته وعلّقت في عنقه خيطاً فيه جزع يماني ، فنزعه ثم قال لأُمّه : « مهلاً يا أُمّاه ، فإنّ معي من يحفظني » (١).
وهذه العبارة من الطفل الذي لم يتجاوز سنّه ثلاث سنين آية على أنّه كان يعيش في رعاية الله ، وكان له معلم غيبي « يسلك به طريق المكارم » ويلهمه ما يعجز عن إدراكه كبار الرجال آنذاك ، حيث كانت أُمّه تزعم بأنّ في الجزع اليماني مقدرة الحفظ لمن علقه على جيده ، فعلى الرغم من ذلك فقد خالفها الطفل ونزعه وطرحه ، وهذا إن دلَّ على شيء فإنّما يدل على أنّه كان بعيداً عن تلك الرسوم والأفكار ... السائدة في الجزيرة العربية.
__________________
(١) المنتقى الباب الثاني من القسم الثاني للكازروني ، وقد نقله العلاّمة المجلسي في البحار : ١٥ / ٣٩٢ من الطبعة الحديثة.