إذا تبيّن عدم صحة هذه الأقوال الثلاثة تثبت الوجوه الأخيرة التي يقرب بعضها من بعض ، ويجمع الكل إنّه كان يعمل حسب ما يلهم ويوحى إليه ، سواء أكان مطابقاً لشرع من قبله أم مخالفاً ، وانّ هاديه وقائده منذ صباه إلى أن بعث هو نفس هاديه بعد البعثة.
ويدل على ذلك وجوه :
١. ما أُثر عن الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام من أنّه من لدن كان فطيماً كان مؤيداً بأعظم ملك يعلّمه مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ، وهذه مرتبة من مراتب النبوّة وإن لم تكن معها رسالة.
قال عليهالسلام : « ولقد قرن الله به من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره » (١).
إنّا مهما جهلنا بشيء ، فلا يصح لنا أن نجهل بأنّ النبوة منصب إلهي لا يتحمّلها إلاّ الأمثل فالأمثل من الناس ، ولا يقوم بأعبائها إلاّ من عمّر قلبه بالإيمان ، وزوّد بالخلوص والصفاء ، وغمره الطهر والقداسة وأُعطى مقدرة روحية عظيمة ، لا يتهيب حينما يتمثل له رسول ربّه وأمين وحيه ، ولا تأخذه الضراعة والخوف عند سماع كلامه ووحيه ، وتلك المقدرة لا تفاض من الله على عبد إلاّ أن يكون في رعاية ملك كريم من ملائكته سبحانه ، يرشده إلى معالم الهداية ومدارج الكمال ، ويصونه من صباه إلى شبابه ، وإلى كهولته عن كل سوء وزلة. وهذا هو السرّ في وقوعه تحت كفالة أكبر ملك من ملائكته حتى تستعد نفسه لقبول
__________________
(١) نهج البلاغة : ٢ / ٨٢ ، من خطبة تسمّى القاصعة ١٨٧ ، طبعة عبده.