بقي هنا أمران :
الأوّل : ما هي النظرية السائدة بين الإمامية في مسألة سهو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟
الثاني : كيفية معالجة المأثورات الظاهرة في صدور السهو عن النبي الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وإليك بيان الأمرين على نحو الإجمال :
يظهر من الشيخ الصدوق أنّ إنكار سهو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان شعار الغلاة والمفوّضة ، قال في كتابه « من لا يحضره الفقيه » : إنّ الغلاة والمفوّضة ينكرون سهو النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ويقولون : لو جاز أن يسهو في الصلاة لجاز أن يسهو في التبليغ ، لأنّ الصلاة عليه فريضة كما أنّ التبليغ عليه فريضة.
ثم أجاب عنه بقوله : وهذا لا يلزمنا ، وذلك لأنّ جميع الأحوال المشتركة يقع على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فيها ما يقع على غيره ... فالحالة التي اختص بها هي النبوة ، والتبليغ من شرائطها ، ولا يجوز أن يقع عليه في التبليغ ما يقع عليه في الصلاة ، لأنّها عبادة مخصوصة ، والصلاة عبادة مشتركة ، وبها تثبت له العبودية ، وبإثبات النوم له عن خدمة ربّه عزّ وجلّ من غير إرادة له وقصد منه إليه ، نفي الربوبية عنه ، لأنّ الذي لا تأخذه سنة ولا نوم هو الله الحي القيّوم ، وليس سهو النبي كسهونا ، لأنّ سهوه من الله عزّ وجلّ ، وإنّما أسهاه ليعلم أنّه بشر مخلوق فلا يتخذ ربّاً معبوداً دونه ، وليعلم الناس بسهوه حكم السهو متى سهوا ، وسهونا عن الشيطان ، وليس للشيطان على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم والأئمّة ـ صلوات الله عليهم ـ سلطان ( إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ ) (١) وعلى من تبعه من الغاوين.
__________________
(١) النحل : ١٠٠.