ولا يخفى أنّ الرازي ومن قال بهذا القول قد خلطوا الحق بالباطل ، أمّا الحق فلأنَّ عد تطهير البيت ورفع قواعده من الأُمور الّتي اختبر الله الخليل بها حق لا مرية فيه ، وسيوافيك بيانه ، وأمّا الباطل فهو أمران :
الأوّل : عدّ الإمامة من جملة ما اختبر بها إبراهيم عليهالسلام ، فلأنّ الظاهر من الآية إنّه سبحانه شرّف إبراهيم بمقام الإمامة بعد أمرين :
١. الابتلاء بالكلمات.
٢. إتمامه إيّاها.
فعند ذلك نصبه سبحانه في مقام الإمامة ونتيجة ذلك مغايرة الكلمات مع الإمامة الموهوبة له ، ولو كانت الإمامة من جملة ما ابتلي به إبراهيم لوجب تقديمها على قوله : ( فأتمّها ) وناسب أن يقول : « وإذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات قال إني جاعلك للناس إماماً فأتمهن ».
والعجب أنّ الرازي جعل تطهير البيت ورفع قواعده من جملة الكلمات الّتي ابتلي بها إبراهيم ، ولم يجعل قيامه بذبح الولد ، واستعداده لذلك من جملة تلك الكلمات ، مع أنّه سبحانه يعرّف ذاك العمل بأنّه بلاء مبين ويقول : ( إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ الْبَلاءُ المُبِينُ ) (١).
وإنّما فعل الرازي ذلك لأنّه قصر نظره في الآيات الواردة بعد هذه الآية ، فقد ورد فيها الأمر بالتطهير ورفع القواعد وطلب بعث النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فزعم الكل تفسيراً « للكلمات » مع أنّه ليست في بيان تلك الأُمور أيّة قرينة على كون هذه الأُمور تفسيراً لها ، وإنّما وقفنا على كون بعض ما جاء فيها من الكلمات ، من
__________________
(١) الصافات : ١٠٦.