المتبادر من الآية الكريمة إنّ إفاضة الإمامة على الخليل كانت رهن ابتلائه وإتمامه الكلمات على النحو المطلوب ، ونجاحه الباهر في هذا المعترك.
وبعبارة أُخرى : كانت هناك صلة ـ ولو بنحو المقتضى والمعد ـ بين النجاح في الامتحان ، وجعله إماماً وإن إتمامه الكلمات على النحو المطلوب صار أرضية مناسبة لمنح منصب الإمامة له.
ولا يشك في هذا من أُعطي حق النظر في الآية بشرط تجرّده عن أي فكر مسبق ; وأمّا ما اختاره صاحب المنار : من عدم وجود الصلة بين الابتلاء وإفاضة الإمامة ، فهو على خلاف المتبادر من الآية. وإليك كلامه ، قال :
قال شيخنا : ولم يقل : « فقال إنّي جاعلك » للإشعار بأنّ هذه الإمامة بمحض فضل الله تعالى واصطفائه لا بسبب إتمام الكلمات ، فإنّ الإمامة هنا عبارة عن الرسالة ، وهي لا تنال بكسب الكاسب ، وليس في الكلام دليل على أنّ الابتلاء كان قبل النبوة ، وأمّا فائدة الابتلاء فهي تعريف إبراهيم عليهالسلام بنفسه وانّه جدير بما اختصه الله به ، وتقوية له على القيام بما يوجه إليه. وقد تحقّقت إمامته للناس بدعوته إيّاهم إلى التوحيد الخالص ـ وكانت الوثنية قد عمتهم وأحاطت بهم ـ فقام على عهده بالحنيفية ، وهي الإيمان بتوحيد الله والبراءة من الشرك وإثبات الرسالة ، وتسلسل ذلك في ذريته خاصة ، فلم ينقطع منها دين التوحيد ، ولذلك وصف الله الإسلام بأنّه ملة إبراهيم (١).
ولا يخفى ما فيه :
__________________
(١) تفسير المنار : ١ / ٤٥٥.