دلّت الآية الكريمة على أنّه سبحانه جعل إبراهيم إماماً للناس ، وقد سأل الخليل أن يجعل من ذريته أئمّة للناس ، فاستجاب سبحانه دعوته ، وصرّح بأنّها تنال غير الظالمين منهم ، والنبي الأعظم أفضل ذريته وأمثلهم ، فطبع الحال يقتضي أن يكون مشمولاً لدعاء جده ويكون إماماً كالخليل ، هذا من جانب.
ومن جانب آخر ، قد استفاضت الآيات والروايات على أنّ النبي الخاتم صلىاللهعليهوآلهوسلم كان له منصب الإمامة وراء النبوة والرسالة ، فهو بما أنّه كان يتلقّى الوحي ويبلغه كان نبياً ورسولاً ، ولم تكن له في هذا المجال أيّة طاعة وعصيان إلاّ بالعناية.
وبما انّه كان قائداً وزعيماً للأُمّة في مختلف المجالات كان إماماً مفترض الطاعة ، وهو في هذا المقام صاحب أمر وبعث ونهي ، وزجر ونصب وعزل وقضاء وفصل وغزوة وسرية ، إلى غير ذلك من الأُمور الراجعة إلى إدارة المجتمع وسياسته ، وإليك بيان ما يثبت إمامته بوضوح ، وما يدل على ذلك من الآيات :
١. ( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ ) (١) ، ومعنى كون النبي أولى بهم من أنفسهم ، أنّه أولى بهم منهم ، ومعنى الأولوية رجحان جانب النبي إذا دار الأمر بينه وبين غيره ، ويتحصّل من ذلك انّ ما يراه المؤمن لنفسه من الحفظ والكلاءة وإنفاذ الإرادة ، فالنبي أولى بذلك من نفسه ، فلو دار الأمر بين النبي وبين نفس المؤمن وما يرجع إليه ، كان جانب النبي أرجح من جانب المؤمن نفسه وما يتعلّق به.
__________________
(١) الأحزاب : ٦.