وعلى كل تقدير فبين ما أفاده في « الميزان » وما بيّنه في الموضع الآخر فرق واضح ، لأنّه قدسسره في الأوّل لا يسلّم كون القيادة الظاهرية من شؤون الإمام بل يفسر الإمام بالمتصرّف في القلوب ، الهادي على نحو الإيصال إلى المطلوب ; ولكنّه يسلم في كتاب « الشيعة في الاسلام » كونها أحد شؤونه كما هو لائح من عبائره ، ولعله أمتن ; وقد عرفت فيما سبق أنّ الوقوف على مفاد الآية يتوقف على البحث عن نقاط سبع ، وقد فرغنا من البحث عن أربع منها ، وبقي الكلام في نقاط ثلاث ، وإليك بيان الخامسة منها.
العهد في الأصل هو الاحتفاظ بالشيء ، وإليه ترجع سائر المعاني الّتي استعملت فيها تلك اللفظة ، فيقال للوصية : العهد. لأنّه ينبغي الاحتفاظ بها كما يطلق على ما يكتب للولاة من الوصية ، لأنّه ممّا ينبغي الاحتفاظ به ، والعهد : الكتاب الّذي يستوثق به في البيعات (١).
وعلى ذلك فكل شيء غال قيم ينبغي الاحتفاظ به فهو العهد ، والله سبحانه ينسب الإمامة إلى نفسه ويقول : ( عَهْدِي ) ، ويريد بذلك إنّه شيء غال وهدية ثمينة من الله سبحانه يجب الاحتفاظ بها من جانب الأُمّة ، وبما أنّ الشيء الثمين لا يودع إلاّ عند من كان أميناً واضعاً كل شيء في مكانه ، قال سبحانه : ( لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، فالإمامة ميثاق الله سبحانه بين الأُمّة يجب الاحتفاظ بها عن طريق امتثال ما يفترض من الأوامر والنواهي وعدم إضاعتها.
ويظهر ذلك ـ أي انّ الإمامة عهد الله سبحانه ـ انّ الإمامة نوع من
__________________
(١) معجم مقاييس اللغة : ٤ / ١٦٨.