وقبل كل شيء يجب علينا أن نعرض تلك الروايات على كتاب الله سبحانه فإنّه المحك الأوّل لتشخيص الحديث الصحيح من السقيم.
قال سبحانه حاكياً عن العصاة والكفّار : ( يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا * وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا ) (١).
فهذا القسم من الآيات يندد بقول من يرى وجوب طاعة السلطان الظالم الّتي توجب ضلالة المطيع لهم عن السبيل السوي ، وثمّة آيات تندد بعمل من يصبر على عمل الطاغية من دون أن يأمره بالمعروف اوينهاه عن المنكر ، وترى نفس السكوت والصبر على طغيان الطاغية جرماً وإثماً موجباً للهلاك ، وهذه الآيات هي الواردة حول قوم من بني إسرائيل الذين كانوا يعيشون قرب ساحل من سواحل البحر فتقسمهم إلى أصناف ثلاثة :
الأوّل : الجماعة المعتدية العادية الّتي رفضت حكم الله سبحانه حيث حرم عليهم صيد البحر يوم السبت قال سبحانه : ( إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ ) (٢).
الثاني : الجماعة الساكتة الّتي أهمّتهم أنفسهم لا يرتكبون ما حرم الله وفي الوقت نفسه لا ينهون الجماعة العادية عن عدوانها ، بل كانوا يعترضون على الجماعة الثالثة الّتي كانت تقوم بواجبها الديني من إرشاد الجاهل والقيام في وجه العاصي والطاغي ، بقولهم : ( لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ) (٣).
__________________
(١) الأحزاب : ٦٦ ـ ٦٨.
(٢) الأعراف : ١٦٣.
(٣) الأعراف : ١٦٤.