وفيه : انّ هذا الجواب وان كان أظهر الأجوبة إذ ليس فيه تفكيك بين الضمائر كما في سائر الأجوبة الآتية لكن الذي يرده هو بعده عن ظاهر الآية ، إذ ليس فيها عن إيمان تلك الثلة القليلة أثر حتى يقع متعلّق الكذب في قوله سبحانه : ( قَدْ كُذِبُوا ).
وإن شئت قلت : ليس في مقدم الآية ولا في نفسها ما يشير إلى أنّه قد آمن بالرسل عدّة قليلة وتظاهروا بالإيمان غير انّه صدر عنهم ما جعل الأنبياء يظنون بكذبهم في ما أظهروه من الإيمان حتى يصح أن يقال انّ متعلق الكذب هو هذا ، وانّما المذكور في مقدمها ونفسها هو مخالفة الزمرة الطاغية من أقوام الأنبياء وعنادهم ولجاجهم مع رسل الله وأنبيائه حيث يقول : ( أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ ) (١).
ومجرد قوله : ( وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا ) لا يكفي في جعل إيمانهم متعلّقاً للكذب ، إذ عندئذ يجب أن تتعرض الآية إلى إيمان تلك الشرذمة وصدور ما يوجب ظنهم بخلاف ما تظاهروا به حتى يصح أن يقال إنّ الرسل ظنوا انّ المتظاهرين بالإيمان قد كذبوا في ادّعاء الإيمان بالرسل.
أضف إلى ذلك : إنّ هذه الإجابة لا تصحّح العصمة المطلقة للأنبياء ، إذ على هذا الجواب يكون ظن الرسل بعدم إيمان تلك الشرذمة القليلة خطأً ، وكان ادّعاؤهم للإيمان صادقاً ، وهذا يمس كرامتهم من جانب آخر ، لأنّهم تخيّلوا غير الواقع واقعاً ، والمؤمن كافراً.
على أنّ ذلك الجواب لا يناسب ذيل الجملة فانّه سبحانه يقول بعد تلك الجملة : ( جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ ) مع أنّ المناسب على هذه الإجابة أن
__________________
(١) يوسف : ١٠٩.