المعطوف ، نحو قوله تعالى : (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً) ـ ٢٣ / ١٤ ، فان النطفة يتدرج فى الكمال الى ان تنته الى العلقة ، وهكذا ، وقوله تعالى : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) ـ ٢١ / ٣ ، فان البشرية مستمرة الى اتيان السحر بزعهم ، وهو المعجزة ، فالتعقيب متحقق بلا ريب فى امثال هذه الامور لكنه بهذا النحو ، فظن من لا رويّة له بالتدقيق ان الفاء فيها بمعنى ثم ، ولكن قد تفارق التعقيب وياتى.
هنا تنبيهات
١ ـ ربما لا يكون بين المعطوف والمعطوف عليه بالفاء ترتيب فى الواقع والوجود ، بل فى الذكر فقط ، لانهما شىء واحد يكون المعطوف بيانا وتفصيلا للمعطوف عليه ، فالترتيب بين المبين والمبين حسب الذكر والمفهوم ، ويقال له الترتيب الذكرى كما يقال للاول الترتيب المعنوى والحقيقى ، نحو قوله تعالى : (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) ـ ١١ / ٤٥ ، (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) ـ ٤ / ١٥٣ ، (فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمَّا كانا فِيهِ) ـ ٢ / ٣٦ ، فان ازلال الشيطان هو اخراجهما ، اذ لم يكن منه الا كلام وقسم غرهما به ، (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) ـ ٧ / ٤ ، وقيل ان هذه الآية من باب القلب ، ومر بيانه فى المبحث العاشر من المقصد الثانى ، ومنه قولهم : توضا فغسل وجهه ويديه ومسح راسه ورجليه.
ثم ان السببية اخص من الترتيب الحقيقى ومستلزمة له لان المسبب مترتب على السبب فى الخارج ، والترتيب لازم التعقيب ، وامكن ان يوجد ترتيب بلا تعقيب ، والترتيب الحقيقى اخص من الذكرى لان كل حقيقى يذكر فى الكلام على الترتيب
٢ ـ ان معنى الترتيب لا يفارق الفاء ، واما السببية فتفارقها كثيرا كما شوهد