وعود على بدء ، فإن كان من كلمة تقال فإن للأصل الطيب والنشأة الطاهرة والتربية السليمة عظيم أثر ـ وذا لا يخفى ـ على إعداده ذاك الإعداد الذي عرف به.
فقد درج رضوان الله تعالى عليه بين جدران بيت تفوح من جنباته عبقات عطر العلم والمعرفة ، والبحث والتأليف.
فأبوه رحمهالله من فضلاء عصره ، وكذا ما ذكر عن جديه وعن باقي إخوته ، ولذا فقد التصق بالعلم التصاقا والتزمه التزاما.
فقد أخذ على أبيه قراءة الفنون العربية والفقه حتى عام ٩٢٥ ه عندما ابتلي باليتم مبكرا ، فشد الرحال نحو ميس حيث أخذ هناك على الشيخ علي بن عبد العالي «شرائع الإسلام» و «الإرشاد» وأكثر القواعد ، ثم حدا نحو كرك عام ٩٣٣ ه وأخذ هناك على السيد حسن بن جعفر جملة من العلوم مثل «قواعد ميثم البحراني» في الكلام والتهذيب في أصول الفقه ، و «العمدة الجلية في الأصول الفقهية» وغيرها.
وبعدها قصد نحو دمشق وأخذ فيها على الشيخ شمس الدين محمد بن مكي ، والشيخ أحمد بن جابر ، فقرأ كتاب «شرح الموجز النفيسي» وكتاب «غاية القصد في معرفة الفصد» وهما من كتب الطب ، وكذا «فصول الفرغاني» وبعض «حكمة الاشراق» للسهروردي وغيرها.
وأما مصر فشهدته عام ٩٤٢ ه ، فأخذ فيها على جملة من فضلاء علمائها مثل الشيخ شهاب الدين أحمد الرملي الشافعي ، والملا حسين الجرجاني ، والملا محمد الأسترآبادي وغيرهم.
وذكر أن «همته ارتفعت به إلى طلب التدريس في المدارس العامة ، فسافر إلى استانبول لذلك ، وقال قبولا تاما من أرباب الدولة ، وأعطي تدريس المدرسة النورية في بعلبك ـ ولم يحتج إلى شهادة قاضي صيدا ، كما هو معمول عليه في ذلك الوقت ، ولا يمكن أخذ التدريس بدونه وذلك بسبب تأليفه خلال (١٨) يوما رسالة في عشر مسائل من مشكلات العلوم ـ فأقام فيها خمس سنين يدرس في المذاهب الخمسة ، ويعاشر كل فرقة بمقتضى مذهبهم ، والحق أن ذلك اقتدار عظيم ، وعلو همة ما عليه