وبعد : فلو كانت الرواية على ما أوردته لم يكن لك فيها حجة ، لأن الخبر إذا خالف ما دل عليه القرآن ، وجب إطراحه والمصير إلى القرآن دونه ، ولو سلمنا لك باللفظ الذي تذكره بعينه ، كان لنا أن نقول : إن النبي صلىاللهعليهوآله مسح رجليه في وضوئه ، ثم غسلهما بعد المسح لتنظيف ، أو تبريد ونحو ذلك مما ليس هو داخلا في الوضوء ، فذكر الراوي الغسل ولم يذكر المسح الذي كان قبله ، إما لأنه لم يشعر به لعدم تأمله ، أو لنسيان اعترضه ، أو لظنه أن المسح لا حكم له ، وأن الحكم للغسل الذي بعده ، أو لغير ذلك من الأسباب ، وليس هذا بمحال.
فإن قال : فقد روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه قال : «ويل للأعقاب من النار» (٥٥) فلو كان ترك غسل العقب في الوضوء جائزا ، لما توعد على ترك غسله.
قلنا : ليس في هذا الخبر ذكر مسح ولا غسل فيتعلق به ، ولا فيه أيضا ذكر وضوء فنورده لنحتج به ، وليس فيه أكثر من قوله. «ويل للأعقاب من النار».
فإن قال : قد روي أنه رآها تلوح فقال : «ويل للأعقاب من النار» (٥٦).
قيل له : وليس لك في هذا أيضا حجة ، ولا فيه ذكر لوضوء في طهارة.
وبعد : فقد يجوز أن يكون رأي قوما غسلوا أرجلهم في الوضوء عوضا عن (٥٧) مسحها ، ورأى أعقابهم يلوح عليها الماء ، فقال : «ويل للأعقاب من النار».
ويجوز أيضا أن يكون رأى قوما اغتسلوا من جنابة ، ولم يغمس الماء جميع أرجلهم ، ولاحت أعقابهم بغير ماء ، فقال : «ويل للأعقاب من النار».
ويمكن أيضا أن يكون ذلك في الوضوء لقوم من طغام (٥٨) العرب مخصوصين ،
__________________
(٥٥) صحيح مسلم ١ : ٢١٤ / ٢٤١ ، صحيح البخاري ١ : ٥١ ، مسند أحمد ٢ : ٢٠١ و ٤٧١ ، سنن أبي داود ١ : ٢٤ / ٩٧ ، سنن النسائي ١ : ٧٧ ، مسند الطيالسي : ٢١٧ / ١٥٥٢ ، تفسير الطبري ٦ : ٨٤.
(٥٦) صحيح مسلم ١ : ٢١٤ / ٢٤١ ، سنن النسائي ١ : ٧٧ ، سنن ابن ماجة ١ : ١٥٤ / ٤٥٠ ، تفسير الطبري ٦ : ٨٥.
(٥٧) في الأصل : من.
(٥٨) الطغام : أوغاد الناس. «الصحاح ـ طغم ـ ٥ : ١٩٧٥» وفي الأصل : طغامة ، وكلاما بمعنى.