محمد ، وهي سخرية لاذعة بالقوم ، وتناهى النبأ إلى عائشة فحسمت النزاع ، وأمرت أن يصلي بالناس محمد بن طلحة يوماً ، وعبد الله بن الزبير يوماً.
ويبدو من الأحداث أن عثمان بن حنيف كان راغباً في السلم حتى يأتيه أمر الإمام ، وكان يدفع الحرب ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وكان قد أكثر من المناظرة والمحاورة والمحاولة مع القوم حتى تمت الهدنة إلى حين قدوم الإمام ، ولكن المتمردين بادروا الحرب ليلاً ، فقتلوا ـ كما يرى المسعودي ـ سبعين رجلاً من أنصار ابن حنيف ، منهم خمسون رجلاً قتلوا صبراً ، وجرحوا عدداً كبيراً من الناس ، ومثلّوا بآخرين.
وتناهت الأخبار بهذا إلى أمير المؤمنين ، وكان يأمل أن يتراجع المتمردون عن الحرب ، وكان يميل إلى إصلاحهم متجنباً الفرقة وسفك الدماء ، ولما يئس من هذا الملحظ ، نهض إلى البصرة في جيشه مسرعاً عسى أن يتدارك الأمر بنفسه ، ولكن القوم كانوا قد استولوا على البصرة ، وأكثروا فيها الفساد ، فأسرع الإمام لئلا يبلغ السيل الزبى ، فزحف إليها زحفاً عسكرياً منظماً يصفه المسعودي في مروج الذهب وصفاً دقيقاً برواية المنذر بن الجارود العبدي ، ونحن نجملها لترى قيادة الإمام في رجاله ، مقارناً بينها وبين قيادة أصحاب الجمل من الموتورين والحاقدين على الإسلام والإمام ، قال :
« إن علياً لما قدم البصرة دخلها مما يلي الطفّ وأتى الزواية ، فخرجتُ أنظر إليه ، فورد موكب من نحو ألف فارس ، يتقدمهم فارس على فرس أشهب ، عليه قلنسوة وثياب بيض ، متقلد سيفاً ، معه راية وتيجان يغلب عليها البياض والصفرة ، مدججين بالحديد والسلاح ،