وقال عمر : إني لم أخرج لأني لم أخرج لأني لم أحب أن أسأل عنك الركب.
وهنا أغمي على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وارتفع البكاء من منزله ثم أفاق صلىاللهعليهوآلهوسلم وفي نفسه لواعج من الأسى لا تنفك ، وفي ذهنه ما يخبىء المستقبل لهذه الأمة ، فأراد أن يستوثق من الأمر ، وأن يبلغ ما يجب عليه في تلك اللحظات القصيرة العاتية ، فنظر الى من حوله ثم قال : إئتوني بدواة وكتف لأكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا. ثم إغمي عليه ثانية ، وقام من يلتمس ذلك فنهره عمر وأهانه ، وقال فيما يروي المتشدّدون : إن النبي ليهجر ، وقال فيما يروب المتخفّفون : إن النبي قد غلب عليه الوجع ، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله.
أيّ الروايتين كان ؛ فذاك شأن عمر في اندغاعه ، فكثر اللغط واللغو عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وتلاوم المسلمون فيما بينهم في إحضار الدواة والكتف أو عدمه ، وقالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ، لقد اشفقنا من خلاف رسول الله. فلما أفاق قال بعضهم ألا نأتيك بدواة وكتف يا رسول الله ، فقال أبعد الذي قلتم؟ لا. ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرا. وأعرض بوجهه عن القوم فنهضوا.
قال ابن عباس : إن الرزيّة كل الرزية ما حال بين رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب.
ويبدو من النص السابق أن رسول الله عرف بوادر الفتنة عند القوم فأراد حسم النزاع ، فلم يتأت له ذلك ، ولو صنعه بعد أن قيل ما قيل ، لما التزموا به ، فأعرض عنه وقال : ولكني أوصيكم بأهل بيتي خيرا ، فأوحى لأهل البيت بأنهم قد أبعدوا عن الأمر ، واكتفى بما قال عن أن يكتب كتابا يضيع ما به هدرا ، ولو كتب لأوصى لمن يقوم مقامه ، ولكن