والاستعلاء يعتاده السلطان ، وتشتت في المذاهب يألفه العرب ، ولكن مساوؤه المتأصلة والطارئة ، والإمام يريد إصلاح ذلك كله ، وقد أفسد عليه رأيه بالعصيان ، ولا رأي لمن لا يطاع.
الجانب المأساوي في ظلامة الإمام واضح السمات ، والصبر الجميل في شمائل الإمام بارز الآثار.
السقيفة أسلمت الرجل الى الشورى ، والشورى أسلمته للفتنة الكبرى ، والفتنة قادته الى ثلاثة حروب طاحنة.
الفتوح تتوقف ، والبعوث تتأرجح ، والبلاد في إسلام زئبقي ظاهري لا يعرف جوهره ، ولا يدرك منهجه.
الإمام أراد أن يبني حكما أساسه الدين ، ومعاوية أراد أن يبني ملكا أساسه الدنيا ، فاندفعت الناس وراء معاوية مفضلّة الدنيا على الدين ، وكان عصر الدين قد أدبر ، وعصر الدنيا قد أقبل ، فعاد المعروف منكرا والمنكر معروفا.
النضج السياسي بعد لم تبلور ، والوعي العقائدي بعد لم يترعرع ، والروح الديني بعد لم يترسخ ، فنشأ الناس في قلق وتخلّف ، وحجزت المقاييس الخيّرة في رتاج محكم ، وتقلبت العقول بين هوى متبّع وضباب لم ينقشع ، وما كان للإمام أن يلقي الحبل على الغارب ، ولا أن يترك الإنسان سدى ، والوازع الديني يدعوه أن يمسك الأمر ما استمسك ، فساس الناس في شدة مؤدّبة ، وقادها في سير حثيث على المحجة الغراء ، فأبصر رشده من أبصر ، وتولى من تولى.
هذه هي فكرة هذه الدراسة ، وفي ضوئها انتظمت صفحاتها ، متمثلة في ثلاثة فصول رئيسة :