وإما القول : بأن الله تعالى أوجده حيا قادرا ، ثم آتاه عقلا وكلفه بعد هذا ، فأطاع وفعل ما أمر به مما يستحق جزيل الأجر على فعله ، فإسلامه وإيمانه من أفعاله الواقعة بحسب قصده وإيثاره ، وإن أداك في وجوده قبل فعله إلى ما وصفنا.
فحيره هذا الكلام ، ولم يجد فيه حيلة من جواب!
ومما يجب أن يكلم به في هذه المسألة أهل الخلاف أن يقال لهم : لم زعمتم أنه لم يسلم إلا من كان كافرا؟!
فإن قالوا : لأن من صح منه وقوع الإسلام فهو قبله عار منه ، وإذا عري منه كان على ضده ، وضده الكفر.
قيل لهم : لم زعمتم أنه إذا عري منه كان على ضده؟! وما أنكرتم من أن يخلو منهما فلا يكون على أحدهما؟
فإن قالوا : إن ترك الدخول في الإسلام هو ضده ، لأنه لا يصح اجتماع الترك والدخول ، فمتى كان تاركا كان كافرا لأن معه الضد.
قيل لهم : إنما يلزم ما ذكرتم متى وجدت شريعة الإسلام ، ولزم العمل بها ، وعلم العبد وجوبها عليه بعد وجودها ، فأما إذا لم يكن نزل بها الوحي ، ولا لزم المكلف منها أمر ولا نهي ، فإلزامكم التكفير جهل وغي.
فإن قالوا : قد سمعناكم تقولون : إن الوحي لما نزل على النبي صلى الله عليه وآله بتبليغ الإسلام دعا إليه أمير المؤمنين عليهالسلام فلم يجبه عند الدعاء ، وقال له : «أجلني الليلة» (٣) وتعدون هذا له فضيلة ، وفيه أنه قد ترك الدخول في الإسلام بعد وجوده!!
قلنا : هو كذلك ، لكنه قبل علمه بوجوبه ، وهذه المدة التي سأل فيها الأنظار هي زمان مهلة النظر التي أباحها الله تعالى للمستدل ، ولو مات فيها العبد قبل أن يعتقد الحق لم يكن على غلط ، وهكذا رأيناكم تفسرون قول إبراهيم عليهالسلام لما
__________________
(٣) الفصول المختارة : ٢٢٧.